الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن قوله: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } ليس فيه بيان أي قسمة هي، فلهذا المعنى حصل للمفسرين فيه أقوال: الأول: أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن النساء أسوة الرجال في أن لهن حظاً من الميراث، وعلم تعالى أن في الأقارب من يرث ومن لا يرث، وأن الذين لا يرثون إذا حضروا وقت القسمة، فان تركوا محرومين بالكلية ثقل ذلك عليهم، فلا جرم أمر الله تعالى أن يدفع اليهم شيء عند القسمة حتى يحصل الأدب الجميل وحسن العشرة، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال: إن ذلك واجب، ومنهم من قال: إنه مندوب، أما القائلون بالوجوب، فقد اختلفوا في أمور: أحدها: أن منهم من قال: الوارث إن كان كبيراً وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئا من المال بقدر ما تطيب نفسه به، وإن كان صغيراً وجب على الولي إعطاؤهم من ذلك المال، ومنهم من قال: إن كان الوارث كبيراً، وجب عليه الاعطاء من ذلك المال، وإن كان صغيراً وجب على الولي أن يعتذر إليهم، ويقول: إني لا أملك هذا المال إنما هو لهؤلاء الضعفاء الذين لا يعقلون ما عليهم من الحق، وان يكبروا فسيعرفون حقكم، فهذا هو القول المعروف، وثانيها: قال الحسن والنخعي: هذا الرضخ مختص بقسمة الأعيان، فاذا آل الأمر إلى قسمة الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك، قال لهم قولا معروفا، مثل أن يقول لهم: ارجعوا بارك الله فيكم، وثالثها: قالوا: مقدار ما يجب فيه الرضخ شيء قليل، ولا تقدير فيه بالاجماع. ورابعها: أن على تقدير وجوب هذا الحكم تكون هذه الآية منسوخة. قال ابن عباس في رواية عطاء: وهذه الآية منسوخة بآية المواريث، وهذا قول سعيد بن المسيب والضحاك وقال في رواية عكرمة: الآية محكمة غير منسوخة وهو مذهب أبي موسى الأشعري وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير، فهؤلاء كانوا يعطون من حضر شيئا من التركة. روي أن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه وعائشة حية، فلم يترك في الدار أحدا إلا أعطاه، وتلا هذه الآية، فهذا كله تفصيل قول من قال بأن هذا الحكم ثبت على سبيل الوجوب، ومنهم من قال: انه ثبت على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الفرض والايجاب، وهذا الندب أيضا إنما يحصل اذا كانت الورثة كباراً، أما اذا كانوا صغارا فليس إلا القول المعروف، وهذا المذهب هو الذي عليه فقهاء الأمصار. واحتجوا بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبين الله تعالى قدر ذلك الحق كما في سائر الحقوق، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب، ولأن ذلك لو كان واجبا لتوفرت الدواعي على نقله لشدة حرص الفقراء والمساكين على تقديره، ولو كان ذلك لنقل على سبيل التواتر، ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه غير واجب.

السابقالتالي
2