الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اعلم أنه تعالى لما بين من يحل ومن لا يحل: بين فيمن يحل أنه متى يحل، وعلى أي وجه يحل فقال: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ الكسائي { ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } بكسر الصاد، وكذلك { مُحْصَنَـٰت غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } وكذلك { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } كلها بكسر الصاد، والباقون بالفتح، فالفتح معناه ذوات الأزواج، والكسر معناه العفائف والحرائر، والله أعلم. المسألة الثانية: الطول: الفضل، ومنه التطول وهو التفضل، وقال تعالى:ذِى ٱلطَّوْلِ } [غافر: 3] ويقال: تطاول لهذا الشيء أي تناوله، كما يقال: يد فلان مبسوطة وأصل هذه الكلمة من الطول الذي هو خلاف القصر لأنه إذا كان طويلا ففيه كمال وزيادة، كما أنه إذا كان قصيرا ففيه قصور ونقصان، وسمي الغنى أيضاً طولا، لأنه ينال به من المرادات مالا ينال عند الفقر، كما أن بالطول ينال ما لا ينال بالقصر. إذا عرفت هذا فنقول: الطول القدرة، وانتصابه على أنه مفعول «يستطع» و«أَن يَنكِحَ » في موضع النصب على أنه مفعول القدرة. فان قيل: الاستطاعة هي القدرة، والطول أيضا هو القدرة، فيصير تقدير الآية: ومن لم يقدر، منكم على القدرة على نكاح المحصنات، فما فائدة هذا التكرير في ذكر القدرة؟ قلنا: الأمر كما ذكرت، والأولى أن يقال: المعنى فمن لم يستطع منكم استطاعة بالنكاح المحصنات، وعلى هذا الوجه يزول الاشكال، فهذا ما يتعلق باللغة. أما ما قاله المفسرون فوجوه: الأول: ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة. الثاني: أن يفسر النكاح بالوطء، والمعنى: ومن لم يستطع منكم طولا وطء الحرائر فلينكح أمة، وعلى هذا التقدير فكل من ليس تحته حرة فإنه يجوز له التزوج بالأمة. وهذا التفسير لائق بمذهب أبي حنيفة، فان مذهبه أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له التزوج بالأمة. وهذا التفسير لائق بمذهب أبي حنيفة، فإن مذهبه أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له نكاح الأمة، سواء قدر على التزوج بالحرة أو لم يقدر. والثالث: الاكتفاء بالحرة، فله أن يتزوج بالأمة سواء كان تحته حرة أو لم يكن، كل هذه الوجوه إنما حصلت، لأن لفظ الاستطاعة محتمل لكل هذه الوجوه. المسألة الثالثة: المراد بالمحصنات في قوله: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } هو الحرائر، ويدل عليه أنه تعالى أثبت عند تعذر نكاح المحصنات نكاح الاماء، فلا بد وأن يكون المراد من المحصنات من يكون كالضد للاماء، والوجه في تسمية الحرائر بالمحصنات على قراءة من قرأ بفتح الصاد: أنهن أحصن بحريتهن عن الأحوال التي تقدم عليها الإماء، فإن الظاهر أن الأمة تكون خراجة ولاجة ممتهنة مبتذلة، والحرة مصونة محصنة من هذه النقصانات، وأما على قراءة من قرأ بكسر الصاد، فالمعنى أنهن أحصن أنفسهن بحريتهن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9