الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }. فيه مسائل: المسألة الأولى: الاحصان في اللغة المنع، وكذلك الحصانة، يقال: مدينة حصينة ودرع حصينة، أي مانعة صاحبها من الجراحة. قال تعالى:وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ } [الأنبياء: 80] معناه لتمنعكم وتحرزكم، والحصن الموضع الحصين لمنعه من يريده بالسوء، والحصان بالكسر الفرس الفحل، لمنعه صاحبه من الهلاك، والحصان بالفتح المرأة العفيفة لمنعها فرجها من الفساد، قال تعالى:وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [التحريم: 12]. واعلم أن لفظ الاحصان جاء في القرآن على وجوه: أحدها: الحرية كما في قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } [النور: 4] يعني الحرائر، ألا ترى أنه لو قذف غير حر لم يجلد ثمانين، وكذلك قوله: { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } يعني الحرائر، وكذلك قوله:مُحْصَنَـٰت غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } [النساء: 25] وقوله: { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } وقوله:وَٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [الأنبياء: 91] أي أعفته، وثالثها الاسلام: من ذلك قوله: { فَإِذَا أُحْصِنَّ } قيل في تفسيره: اذا أسلمن، ورابعها: كون المرأة ذات زوج يقال: امرأة محصنة اذا كانت ذات زوج، وقوله: { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } يعني ذوات الأزواج، والدليل على أن المراد ذلك أنه تعالى عطف المحصنات على المحرمات، فلا بد وأن يكون الاحصان سببا للحرمة، ومعلوم أن الحرية والعفاف والاسلام لا تأثير له في ذلك، فوجب أن يكون المراد منه المزوجة، لأن كون المرأة ذات زوج له تأثير في كونها محرمة على الغير. واعلم أن الوجوه الأربعة مشتركة في المعنى الأصلي اللُّغَويّ، وهو المَنْع، وذلك لأنا ذكرنا أن الاحصان عبارة عن المنع، فالحرية سبب لتحصين الإنسان من نفاذ حكم الغير فيه، والعفة أيضا مانعة للانسان عن الشروع فيما لا ينبغي، وكذلك الاسلام مانع من كثير مما تدعو إليه النفس والشهوة، والزوج أيضا مانع للزوجة من كثير من الأمور، والزوجة مانعة للزوج من الوقوع في الزنا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " من تزوج فقد حصن ثلثي دينه " فثبت أن المرجع بكل هذه الوجوه إلى ذلك المعنى اللغوي والله أعلم. المسألة الثانية: قال الواحديّ: اختلف القُراء في { ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } فقرؤا بكسر الصاد وفتحها في جميع القرآن إلا التي في هذه الآية فانهم أجمعوا على الفتح فيها، فمن قرأ بالكسر جعل الفعل لهن يعني: أسلمن واخترن العفاف، وتزوجن وأحسن أنفسهن بسبب هذه الأمور. ومن قرأ بالفتح جعل الفعل لغيرهن، يعني أحصنهن أزواجهن، والله أعلم. المسألة الثالثة:قال الشافعي- رحمة الله عليه-: الثَّيّب الذمي إذا زنى يُرْجَم، وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: لا يرجم. حجة الشافعي أنه حصل الزنا مع الاحصان وذلك علة لاباحة الدم، فوجب أن يثبت إباحة الدم، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون ذلك بطريق الرجم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد