الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

فيه مسائل: المسألة الأولى: قال ابن عباس وجمهور المفسرين: كان أهل الجاهلية يتزوجون بأزواج آبائهم فنهاهم الله بهذه الآية عن ذلك الفعل. المسألة الثانية: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: يحرم على الرجل أن يتزوج بمزنية أبيه، وقال الشافعي رحمة الله عليه: لا يحرم احتج أبو حنيفة بهذه الآية فقال: إنه تعالى نهى الرجل أن ينكح منكوحة أبيه، والنكاح عبارة عن الوطء فكان هذا نهيا عن نكاح موطوءة أبيه، إنما قلنا: إن النكاح عبارة عن الوطء لوجوه: الأول: قوله تعالى:فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [البقرة: 230] أضاف هذا النكاح إلى الزوج، والنكاح المضاف إلى الزوج هو الوطء لا العقد، لأن الانسان لا يمكنه أن يتزوج بزوجة نفسه لأن تحصيل الحاصل محال، ولأنه لو كان المراد بالنكاح في هذه الآية هوالعقد لوجب أن يحصل التحليل بمجرد العقد وحيث لم يحصل علمنا أن المراد من النكاح في هذه الآية ليس هو العقد، فتعين أن يكون هو الوطء لأنه لا قائل بالفرق، الثاني: قوله تعالى:وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ } [النساء: 6] والمراد من النكاح ههنا الوطء لا العقد، لأن أهلية العقد كانت حاصلة أبدا. الثالث: قوله تعالى:ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } [النور: 3] فلو كان المراد ههنا العقد لزم الكذب. الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: " ناكح اليد ملعون " ومعلوم أن المراد ليس هو العقد بل هو الوطء. فثبت بهذه الوجوه أن النكاح عبارة عن الوطء، فلزم أن يكون قوله تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ } أي: ولا تنكحوا ما وطئهن آباؤكم، وهذا يدخل فيه المنكوحة والمزنية، لا يقال: كما أن لفظ النكاح ورد بمعنى الوطء فقد ورد أيضاً بمعنى العقد قال تعالى:وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ } [النور: 32]فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء } [النساء: 3]إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } [الأحزاب: 49] وقوله عليه الصلاة والسلام: " ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح " فلم كان حمل اللفظ على الوطء أولى من حمله على العقد؟ أجابوا عنه من ثلاثة أوجه: الأول: ما ذهب اليه الكرخي وهو أن لفظ النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد، بدليل أن لفظ النكاح في أصل اللغة عبارة عن الضم، ومعنى الضم حاصل في الوطء لا في العقد، فكان لفظ النكاح حقيقة في الوطء. ثم إن العقد سمي بهذا الاسم لأن العقد لما كان سبباً له أطلق اسم المسبب على السبب، كما أن العقيقة اسم للشعر الذي يكون على رأس الصبي حال ما يولد، ثم تسمى الشاة التي تذبح عند حلق ذلك الشعر عقيقة فكذا ههنا. واعلم أنه كان مذهب الكرخي أنه لا يجوز استعمال اللفظ الواحد بالاعتبار الواحد في حقيقته ومجازه معا، فلا جرم كان يقول: المستفاد من هذه الآية حكم الوطء، أما حكم العقد فانه غير مستفاد من هذه الآية، بل من طريق آخر ودليل آخر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8