الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

وفي مسائل: المسألة الأولى: في اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنها متصلة بقوله: { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ } وذلك لأن الإنسان لا يكون قائماً بالقسط إلا إذا كان راسخ القدم في الإيمان بالأشياء المذكورة في هذه الآية، وثانيهما: أنه تعالى لما بيّـن الأحكام الكثيرة في هذه السورة ذكر عقيبها آية الأمر بالإيمان. المسألة الثانية: أعلم أن ظاهر قوله تعالى: { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } مشعر بأنه أمر بتحصيل الحاصل، ولا شك أنه محال، فلهذا السبب ذكر المفسرون في وجوهاً وهي منحصرة في قولين: الأول: أن المراد بقوله تعالى: { يا أيهاٱلَّذِينَ آمنوا } المسلمون، ثم في تفسير الآية تفريعاً على هذا القول وجوه: الأول: أن المراد منه يا أيها الذين آمنوا آمنوا دوموا على الإيمان واثبتوا عليه، وحاصله يرجع إلى هذا المعنى: يا أيها الذين آمنوا في الماضي والحاضر آمنوا في المستقبل، ونظيره قولهفَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهِ } [محمد: 19] مع أنه كان عالماً بذلك. وثانيها: يا أيها الذين آمنوا على سبيل التقليد آمنوا على سبيل الاستدلال. وثالثها: يا أيها الذين آمنوا بحسب الاستدلالات الجميلة آمنوا بحسب الدلائل التفصيلية. ورابعها: يا أيها الذين آمنوا بالدلائل التفصيلية بالله وملائكته وكتبه ورسله آمنوا بأن كنه عظمة الله لا تنتهي إليه عقولكم، وكذلك أحوال الملائكة وأسرار الكتب وصفات الرسل لا تنتهي إليها على سبيل التفصيل عقولنا. وخامسها: روي أن جماعة من أحبار اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما بما سواه من الكتب والرسل، فقال صلى الله عليه وسلم: " بل آمنوا بالله وبرسله وبمحمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله، فقالوا: لا نفعل، فنزلت هذه الآية فكلهم آمنوا ". القول الثاني: أن المخاطبين بقوله { ءامَنُواْ } ليس هم المسلمون، وفي تفسير الآية تفريعاً على هذا القول وجوه: الأول: أن الخطاب مع اليهود والنصارى، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن. وثانيها: أن الخطاب مع المنافقين، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا باللسان آمنوا بالقلب، ويتأكد هذا بقوله تعالى:مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41] وثالثها: أنه خطاب مع الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا وجه النهار آمنوا أيضاً آخره. ورابعها: أنه خطاب للمشركين تقديره: يا أيها الذين آمنوا بالّلات والعزى آمنوا بالله، وأكثر العلماء رجّحوا القول الأول لأن لفظ المؤمن لا يتناول عند الإطلاق إلا المسلمين. المسألة الثالثة: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ } على ما لم يسم فاعله، والباقون نزل وأنزل بالفتح، فمن ضم فحجته قوله تعالى: { لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ } وقال في آية أخرى

السابقالتالي
2