الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

قوله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: الأمنية أفعولة من المنية، وتمام الكلام في هذا اللفظ مذكور في قوله تعالىإِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِى أُمنيتهِ } [الحج: 52]. المسألة الثانية: { لَّيْسَ } فعل، فلا بدّ من اسم يكون هو مسنداً إليه، وفيه وجوه: الأول: ليس الثواب الذي تقدم ذكره والوعد به في قولهسَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى } [النساء: 122] الآية، بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، أي ليس يستحق بالأماني إنما يستحق بالإيمان والعمل الصالح. الثاني: ليس وضع الدين على أمانيكم. الثالث: ليس الثواب والعقاب بأمانيكم، والوجه الأول أولى لأن إسناد { لَّيْسَ } إلى ما هو مذكور فيما قبل أولى من إسناده إلى ما هو غير مذكور. المسألة الثالثة: الخطاب في قوله { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ } خطاب مع من؟ فيه قولان: الأول: أنه خطاب مع عبدة الأوثان، وأمانيهم أن لا يكون هناك حشر ولا نشر ولا ثواب ولا عقاب، وإن اعترفوا به لكنهم يصفون أصنامهم بأنها شفعاؤهم عند الله، وأما أماني أهل الكتاب فهو قولهملَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [البقرة: 111] وقولهم:نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18] فلا يعذبنا، وقولهملَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80]. القول الثاني: أنه خطاب مع المسلمين، وأمانيهم أن يغفر لهم وإن ارتكبوا الكبائر، وليس الأمر كذلك، فإنه تعالى يخص بالعفو والرحمة من يشاء كما قالوَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [النساء: 116] وروي أنه تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نبيّنا خاتم النبيّين، وكتابنا ناسخ الكتب، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ثم قال تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قالت المعتزلة: هذه الآية دالة على أنه تعالى لا يعفو عن شيء من السيئات، وليس لقائل أن يقول: هذا يشكل بالصغائر فإنها مغفورة قالوا: الجواب عنه من وجهين: الأول: أن العام بعد التخصيص حجة، والثاني: أن صاحب الصغيرة قد انحبط من ثواب طاعته بمقدار عقاب تلك المعصية، فههنا قد وصل جزاء تلك المعصية إليه. أجاب أصحابنا عنه بأن الكلام على عموماته قد تقدم في تفسير قوله تعالى:بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَـٰطَتْ بِهِ خَطِيئَته فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } [البقرة: 81] والذي نزيده في هذه الآية وجوه الأول: لم لا يجوز أن يكون المراد من هذا الجزاء ما يصل إلى الإنسان في الدنيا من الغموم والهموم والأحزان والآلام والأسقام، والذي يدل على صحة ما ذكرنا القرآن والخبر، أما القرآن فهو قوله تعالى:وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا } [المائدة: 38] سمي ذلك القطع بالجزاء وأما الخبر فما روي أنه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ فقال غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض، أليس يصيبك الأذى فهو ما تجزون.

السابقالتالي
2 3