الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }

أعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو ما روي أن طعمة بن أبيرق لما رأى أن الله تعالى هتك ستره وبرأ اليهودي عن تهمة السرقة ارتد وذهب إلى مكة ونقب جدار إنسان لأجل السرقة فتهدم الجدار عليه ومات فنزلت هذه الآية. أما الشقاق والمشاققة فقد ذكرنا في سورة البقرة أنه عبارة عن كون كل واحد منهما في شق آخر من الأمر، أو عن كون كل واحد منهما فاعلاً فعلاً يقتضي لحوق مشقة بصاحبه، وقوله { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } أي من بعد ما ظهر له بالدليل صحة دين الإسلام. قال الزجاج: لأن طعمة هذا كان قد تبين له بما أوحى الله تعالى من أمره وأظهر من سرقته ما دلّه ذلك على صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فعادى الرسول وأظهر الشقاق وارتد عن دين الإسلام، فكان ذلك إظهار الشقاق بعد ما تبين له الهدى، قوله { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني غير دين الموحدين، وذلك لأن طعمة ترك دين الإسلام واتبع دين عبادة الأوثان. ثم قال { نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىٰ } أي نتركه وما اختار لنفسه، ونكله إلى ما توكل عليه. قال بعضهم: هذا منسوخ بآية السيف لا سيما في حق المرتد. ثم قال { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } يعني نلزمه جنهم، وأصله الصلاء وهو لزوم النار وقت الاستدفاء { وَسَاءتْ مَصِيراً } انتصب { مَصِيراً } على التمييز كقولك: فلان طاب نفساً، وتصبب عرقاً، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: روي أن الشافعي رضي الله عنه سئل عن آية في كتاب الله تعالى تدل على أن الإجماع حجة، فقرأ القرآن ثلثمائة مرة حتى وجد هذه الآية، وتقرير الاستدلال أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجباً، بيان المقدمة الأولى أنه تعالى الحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين، ومشاقة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد، فلو لم يكن اتباع غير سبيل المؤمنين موجباً له لكان ذلك ضماً لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقل باقتضاء ذلك الوعيد وإنه غير جائز، فثبت أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، وإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتباع سبيلهم واجباً، وذلك لأن عدم اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين، فإذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراماً لزم أن يكون عدم اتباع سبيل المؤمنين حراماً، وإذا كان عدم اتباعهم حراماً كان اتباعهم واجباً، لأنه لا خروج عن طرفي النقيض. فإن قيل: لا نسلم أن عدم اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين، فإنه لا يمتنع أن لا يتبع لا سبيل المؤمنين ولا غير سبيل المؤمنين.

السابقالتالي
2