الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن أهل الجاهلية كانوا يتوارثون بشيئين: أحدهما: النسب، والآخر العهد، أما النسب فهم ما كانوا يورثون الصغار ولا الاناث. وإنما كانوا يورثون من الأقارب الرجال الذين يقاتلون على الخيل ويأخذون الغنيمة، وأما العهد فمن وجهين: الأول: الحلف، كان الرجل في الجاهلية يقول لغيره: دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فاذا تعاهدوا على هذا الوجه فأيهما مات قبل صاحبه كان للحي ما اشترط من مال الميت، والثاني: التبني، فان الرجل منهم كان يتبنى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النسب ويرثه، وهذا التبني نوع من أنواع المعاهدة، ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم تركهم في أول الأمر على ما كانوا عليه في الجاهلية، ومن العلماء من قال: بل قررهم الله على ذلك فقال:وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [النساء: 33] والمراد التوارث بالنسب. ثم قال:وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَـئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [النساء: 33] والمراد به التوارث بالعهد، والأولون قالوا المراد بقوله: { وَٱلَّذِينَ عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ليس المراد منه النصيب من المال، بل المراد فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة وحسن العشرة، فهذا شرح أسباب التوارث في الجاهلية. وأما أسباب التوارث في الاسلام، فقد ذكرنا أن في أول الأمر قرر الحلف والتبني، وزاد فيه أمرين آخرين: أحدهما: الهجرة، فكان المهاجر يرث من المهاجر. وان كان أجنبيا عنه، إذا كان كل واحد منهما مختصا بالآخر بمزيد المخالطة والمخالصة، ولا يرثه غير المهاجر، وإن كان من أقاربه. والثاني: المؤاخاة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل اثنين منهم، وكان ذلك سببا للتوارث، ثم إنه تعالى نسخ كل هذه الأسباب بقوله:وَأُوْلُواْ ٱلارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 6] والذي تقرر عليه دين الاسلام أن أسباب التوريث ثلاثة: النسب، والنكاح، والولاء. المسألة الثانية: روى عطاء قال: استشهد سعد بن الربيع وترك ابنتين وامرأة وأخا، فأخذ الأخ المال كله، فأتت المرأة وقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، وإن سعداً قتل وان عمهما أخذ مالهما، فقال عليه الصلاة والسلام: " ارجعي فلعل الله سيقضي فيه " ثم إنها عادت بعد مدة وبكت فنزلت هذه الآية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما وقال: " أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ". فهذا أول ميراث قسم في الاسلام المسألة الثالثة: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنه تعالى لما بين الحكم في مال الأيتام، وما على الأولياء فيه، بين كيف يملك هذا اليتيم المال بالارث، ولم يكن ذلك إلا ببيان جملة أحكام الميراث، الثاني: أنه تعالى أثبت حكم الميراث بالاجمال في قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد