الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } * { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

في كيفية النظم وجوه: الأول: أنه تعالى لما شرح أحوال المنافقين على سبيل الاستقصاء ثم اتصل بذلك أمر المحاربة، واتصل بذكر المحاربة ما يتعلق بها من الأحكام الشرعية، مثل قتل المسلم خطأ على ظن أنه كافر، ومثل بيان صلاة السفر وصلاة الخوف، رجع الكلام بعد ذلك إلى أحوال المنافقين، وذكر أنهم كانوا يحاولون أن يحملوا الرسول عليه الصلاة والسلام على أن يحكم بالباطل ويذر الحكم الحق، فأطلع الله رسوله عليه وأمره بأن لا يلتفت إليهم ولا يقبل قولهم في هذا الباب. والوجه الثاني في بيان النظم: أنه تعالى لما بيّن الأحكام الكثيرة في هذه السورة بيّن أن كل ما عرف بإنزال الله تعالى وأنه ليس للرسول أن يحيد عن شيء منها طلباً لرضا قومه. الوجه الثالث: أنه تعالى لما أمر بالمجاهدة مع الكفار بيّن أن الأمر وإن كان كذلك لكنه لا تجوز الخيانة معهم ولا إلحاق ما لم يفعلوا بهم، وأن كفر الكافر لا يبيح المسامحة بالنظر له، بل الواجب في الدين أن يحكم له وعليه بما أنزل على رسوله، وأن لا يلحق الكافر حيف لأجل أن يرضى المنافق بذلك، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اتفق المفسرون على أن أكثر هذه الآيات نزلت في طعمة بن أبيرق، ثم في كيفية الواقعة روايات: أحدها: أن طعمة سرق درعاً فلما طلبت الدرع منه رمى واحداً من اليهود بتلك السرقة، ولما اشتدت الخصومة بين قومه وبين قوم اليهودي جاء قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يعينهم على هذا المقصود وأن يلحق هذه الخيانة باليهودي، فهم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك فنزلت الآية، وثانيها: أن واحداً وضع عنده درعاً على سبيل الوديعة ولم يكن هناك شاهد، فلما طلبها منه جحدها. وثالثها: أن المودع لما طلب الوديعة زعم أن اليهودي سرق الدرع واعلم أن العلماء قالوا هذا يدل على أن طعمة وقومه كانوا منافقين، وإلا لما طلبوا من الرسول نصرة الباطل وإلحاق السرقة باليهودي على سبيل التخرص والبهتان، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى:وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء } [النساء: 113] ثم روي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد وثقب حائطاً هناك لأجل السرقة فسقط الحائط عليه ومات. المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي: قوله { أَرَاكَ ٱللَّهُ } إما أن يكون منقولاً بالهمزة من رأيت التي يراد بها رؤية البصر، أو من رأيت التي تتعدى إلى المفعولين، أو من رأيت التي يراد بها الاعتقاد، والأول باطل لأن الحكم في الحادثة لا يرى بالبصر، والثاني أيضاً باطل لأنه يلزم أن يتعدى إلى ثلاثة لا إلى المفعولين بسبب التعدية، ومعلوم أن هذا اللفظ لم يتعد إلا إلى مفعولين أحدهما: الكاف التي هي للخطاب، والآخر المفعول المقدر، وتقديره: بما أراكه الله، ولما بطل القسمان بقي الثالث، وهو أن يكون المراد منه رأيت بمعنى الاعتقاد.

السابقالتالي
2 3