الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } * { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

واعلم أنه لما أطال الكلام في شرح الوعد والوعيد عاد إلى دلائل الإلهية والتوحيد، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قد ذكرنا في سورة الأنعام أن أصحابنا تمسكوا بقوله تعالى:خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } [الأنعام: 102] على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى، وأطنبنا هناك في الأسئلة والأجوبة، فلا فائدة ههنا في الإعادة، إلا أن الكعبي ذكر ههنا كلمات فنذكرها ونجيب عنها، فقال إن الله تعالى مدح نفسه بقوله { ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } وليس من المدح أن يخلق الكفر والقبائح فلا يصح أن يحتج المخالف به، وأيضاً فلم يكن في صدر هذه الأمة خلاف في أعمال العباد، بل كان الخلاف بينهم وبين المجوس والزنادقة في خلق الأمراض والسباع والهوام، فأراد الله تعالى أن يبين أنها جمع من خلقه، وأيضاً لفظة { كُلٌّ } قد لا توجب العموم لقوله تعالى:وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء } [النمل: 23]تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء } [الأحقاف: 25] وأيضاً لو كانت أعمال العباد من خلق الله لما ضافها إليهم بقولهكُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } [البقرة: 109] ولما صح قولهوَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 78] ولما صح قولهوَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَـٰطِلاً } [ص: 27] فهذا جملة ما ذكره الكعبي في تفسيره، وقال الجبائي: { ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } سوى أفعال خلقه التي صح فيها الأمر والنهي واستحقوا بها الثواب والعقاب، ولو كانت أفعالهم خلقاً لله تعالى ما جاز ذلك فيه كما لا يجوز مثله في ألوانهم وصورهم، وقال أبو مسلم: الخلق هو التقدير لا الإيجاد، فإذا أخبر الله عن عباده أنهم يفعلون الفعل الفلاني فقد قدر ذلك الفعل، فيصح أن يقال إنه تعالى خلقه وإن لم يكن موجداً له. واعلم أن الجواب عن هذه الوجوه قد ذكرناه بالاستقصاء في سورة الأنعام، فمن أراد الوقوف عليه فليطالع هذا الموضوع من هذا الكتاب، والله أعلم. أما قوله تعالى: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ } فالمعنى أن الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير منازع ولا مشارك، وهذا أيضاً يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى، لأن فعل العبد لو وقع بتخليق العبد لكان ذلك الفعل غير موكول إلى الله تعالى وكيلاً عليه، وذلك ينافي عموم الآية. ثم قال تعالى: { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } والمعنى أنه سبحانه مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية، لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي بيده مقاليدها، ومنه قولهم: فلان ألقيت مقاليد الملك إليه وهي المفاتيح، قال صاحب «الكشاف»: ولا واحد لها من لفظها، وقيل مقليد ومقاليد، وقيل مقلاد ومقاليد مثل مفتاح ومفاتيح، وقيل إقليد وأقاليد، قال صاحب «الكشاف»: والكلمة أصلها فارسية، إلا أن القوم لما عربوها صارت عربية.

السابقالتالي
2 3