الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } * { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } * { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } * { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } * { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } * { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } * { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } * { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } * { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ }

اعلم أنه تعالى لما وصف ثواب المتقين، وصف بعده عقاب الطاغين، ليكون الوعيد مذكوراً عقيب الوعد، والترهيب عقيب الترغيب. واعلم أنه تعالى ذكر من أحوال النار أنواعاً فالأول: مرجعهم ومآبهم، فقال:هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ لَشَرَّ مَـئَابٍ } [ص: 55] وهذا في مقابلة قوله:وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لحُسْن مَـئَابٍ } [ص: 49] فبين تعالى أن حال الطاغين مضاد لحال المتقين، واختلفوا في المراد بالطاغين، فأكثر المفسرين حملوه على الكفار، وقال الجبائي: إنه محمول على أصحاب الكبائر سواء كانوا كفاراً أو لم يكونوا كذلك، واحتج الأولون بوجوه الأول: أن قوله: { لَشَرَّ مَـئَابٍ } يقتضي أن يكون مآبهم شراً من مآب غيرهم، وذلك لا يليق إلا بالكفار الثاني: أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: { أَتَّخَذْنَـٰهُمْ سِخْرِيّاً } وذلك لا يليق إلا بالكفار، لأن الفاسق لا يتخذ المؤمن سخرياً الثالث: أنه اسم ذم، والاسم المطلق محمول على الكامل، والكامل في الطغيان هو الكافر، واحتج الجبائي على صحة قوله بقوله تعالى:إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّءاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6، 7] وهذا يدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل في حق صاحب الكبيرة، ولأن كل من تجاوز عن تكاليف الله تعالى وتعداها فقد طغى، إذا عرفت هذا فنقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما، المعنى أن الذين طغوا وكذبوا رسلي لهم شر مآب، أي شر مرجع ومصير، ثم قال: { جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا } والمعنى أنه تعالى لما حكم بأن الطاغين لهم شر مآب فسره بقوله: { جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا } ثم قال: { فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } وهو كقوله:لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف: 41] شبه الله ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم. ثم قال تعالى: { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: فيه وجهان الأول: أنه على التقديم والتأخير، والتقدير هذا حميم وغساق فليذوقوه الثاني: أن يكون التقدير جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه، ثم يبتدىء فيقول: حميم وغساق. المسألة الثانية: الغساق بالتخفيف والتشديد فيه وجوه الأول: أنه الذي يغسق من صديد أهل النار، يقال: غسقت العين إذا سال دمعها. وقال ابن عمر هو القيح الذي يسيل منهم يجتمع فيسقونه الثاني: قيل الحميم يحرق بحره، والغساق يحرق ببرده، وذكر الأزهري: أن الغاسق البارد، ولهذا قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار الثالث: أن الغساق المنتن حكى الزجاج لو قطرت منه قطرة في المشرق لأنتنت أهل المغرب، ولو قطرت منه قطرة في المغرب لأنتنت أهل المشرق الرابع: قال كعب: الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من عقرب وحية. المسألة الثالثة: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم غساق بتشديد السين حيث كان والباقون بالتخفيف.

السابقالتالي
2 3 4