الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } * { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: الكلام المستقصى في أمثال هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة ولا بأس بإعادة بعض الوجوه فالأول: أنه مفتاح أسماء الله تعالى التي أولها صاد، كقولنا صادق الوعد، صانع المصنوعات، صمد والثاني: معناه صدق محمد في كل ما أخبر به عن الله الثالث: معناه صد الكفار عن قبول هذا الدين، كما قال تعالى:ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النحل: 88] الرابع: معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضة القرآن، فدل ذلك على أن القرآن معجز الخامس: أن يكون صاد بكسر الدال من المصادة وهي المعارضة ومنها الصدى وهو ما يعارض صوتك في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة، ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه السادس: أنه اسم السورة والتقدير هذه صاد، فإن قيل ههنا إشكالان أحدهما: أن قوله: { وَٱلْقُرْءانِ ذِى ٱلذّكْرِ } قسم وأين المقسم عليه؟ والثاني: أن كلمة بل تقتضي رفع حكم ثبت قبلها، وإثبات حكم بعدها يناقض الحكم السابق، فأين هذا المعنى ههنا؟ والجواب: عن الأول من وجوه الأول: أن يكون معنى صاد، بمعنى صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون صاد هو المقسم عليه، وقوله: { وَٱلْقُرْءانِ ذِى الذكر } هو القسم الثاني: أن يكون المقسم عليه محذوفاً، والتقدير سورة ص والقرآن ذي الذكر أنه لكلام معجز، لأنا بينا أن قوله { ص } تنبيه على التحدي والثالث: أن يكون صاد اسماً للسورة، ويكون التقدير هذه ص والقرآن ذي الذكر، ولما كان المشهور، أن محمداً عليه السلام يدعي في هذه السورة كونها معجزة، كان قوله هذه ص جارياً مجرى قوله: هذه هي السورة المعجزة، ونظيره قولك هذا حاتم والله، أي هذا هو المشهور بالسخاء والجواب: عن السؤال الثاني أن الحكم المذكور قبل كلمة { بَلِ } أما ما ذكره المفسر كون محمد صادقاً في تبليغ الرسالة أو كون القرآن أو هذه السورة معجزة والحكم المذكور بعد كلمة { بَلِ } ههنا هو المنازعة والمشاقة في كونه كذلك فحصل المطلوب، والله أعلم. المسألة الثانية: قرأ الحسن صاد بكسر الدال لأجل التقاء الساكنين، وقرأ عيسى بن عمر بنصب صاد ونون وبحذف حرف القسم وإيصال فعله كقولهم الله لأفعلن، وأكثر القراء على الجزم لأن الأسماء العارية عن العوامل تذكر موقوفة الأواخر. المسألة الثالثة: في قوله ذي الذكر وجهان الأول: المراد ذي الشرف، قال تعالى:وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] وقال تعالى:لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [الأنبياء: 10] ومجاز هذا من قولهم لفلان ذكر في الناس، كما يقولون له صيت الثاني: ذي البيانين أي فيه قصص الأولين، والآخرين، وفيه بيان العلوم الأصلية والفرعية ومجازه من قوله:

السابقالتالي
2