الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

اعلم أنه تعالى لما قال بعد ذكر أهل الجنة ووصفهالِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ } [الصافات: 61] أتبعه بقوله: { أَذٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يورد ذلك على كفار قومه ليصير ذلك زاجراً لهم عن الكفر، وكما وصف من قبل مآكل أهل الجنة ومشاربهم وصف أيضاً في هذه الآية مآكل أهل النار ومشاربهم. أما قوله: { أَذٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } فالمعنى أن الرزق المعلوم المذكور لأهل الجنة { خَيْرٌ نُّزُلاً } أي خير حاصلاً { أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } وأصل النزل الفضل الواسع في الطعام يقال طعام كثير النزل، فاستعير للحاصل من الشيء، ويقال أرسل الأمير إلى فلان نزلاً وهو الشيء الذي يصلح حال من ينزل بسببه، إذا عرفت هذا فنقول حاصل الرزق المعلوم لأهل الجنة اللذة والسرور، وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم، ومعلوم أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية إلا أنه جاء هذا الكلام، إما على سبيل السخرية بهم أو لأجل أن المؤمنين لما اختاروا ما أوصلهم إلى الرزق الكريم، والكافرين اختاروا ما أوصلهم إلى العذاب الأليم فقيل لهم ذلك توبيخاً لهم على سوء اختيارهم، وأما { ٱلزَّقُّومِ } فقال الواحدي رحمه الله لم يذكر المفسرون. للزقوم تفسيراً إلا الكلبي فإنه روي أنه لما نزلت هذه الآية قال ابن الزبعري أكثر الله في بيوتكم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته زقمينا فأتته بزبد وتمر، وقال: تزقموا. ثم قال الواحدي ومعلوم أن الله تعالى لم يرد بالزقوم ههنا الزبد والتمر، قال ابن دريد لم يكن للزقوم اشتقاق من التزقم وهو الإفراط من أكل الشيء حتى يكره ذلك يقال بات فلان يتزقم. وظاهر لفظ القرآن يدل على أنها شجرة كريهة الطعام منتنة الرائحة شديدة الخشونة موصوفة بصفات كل من تناولها عظم من تناولها، ثم إنه تعالى يكره أهل النار على تناول بعض أجزائها. أما قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَـٰهَا فِتْنَةً لّلظَّـٰلِمِينَ } ففيه أقوال: الأول: أنها إنما صارت فتنة للظالمين، من حيث إن الكفار لما سمعوا هذه الآية، قالوا: كيف يعقل أن تنبت الشجرة في جهنم مع أن النار تحرق الشجرة؟ والجواب عنه أن خالق النار قادر على أن يمنع النار من إحراق الشجر، ولأنه إذا جاز أن يكون في النار زبانية والله تعالى يمنع النار عن إحراقهم فلم لا يجوز مثله في هذه الشجرة؟ إذا عرفت هذا السؤال والجواب فمعنى كون شجرة الزقوم فتنة للظالمين هو أنهم لما سمعوا هذه الآية وقعت تلك الشبهة في قلوبهم وصارت تلك الشبهة سبباً لتماديهم في الكفر فهذا هو المراد من كونها فتنة لهم والوجه الثاني: في التفسير أن يكون المراد صيرورة هذه الشجرة فتنة لهم في النار لأنهم إذا كلفوا تناولها وشق ذلك عليهم، فحينئذ يصير ذلك فتنة في حقهم الوجه الثالث: أن يكون المراد من الفتنة الامتحان والاختبار، فإن هذا شيء بعيد عن العرف والعادة مخالف للمألوف والمعروف، فإذا ورد على سمع المؤمن فوض علمه إلى الله وإذا ورد على الزنديق توسل به إلى الطعن في القرآن والنبوة.

السابقالتالي
2 3