الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } * { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } * { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } * { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ } * { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل على فساد مذهب الكفار أتبعه بما نبه به على أن هؤلاء الكفار لا يقدرون على حمل أحد على الضلال إلا إذا كان قد سبق حكم الله في حقه بالعذاب والوقوع في النار، وذكر صاحب «الكشاف» في قوله: { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنتم عَلَيْهِ بِفَـٰتِنِينَ } قولين الأول: الضمير في { عَلَيْهِ } لله عز وجل معناه فإنكم ومعبوديكم ما أنتم وهم جميعاً بفاتنين على الله إلا أصحاب النار الذين سبق في علم الله كونهم من أهل النار، فإن قبل كيف يفتنونهم على الله؟ قلنا يفتنونهم عليه بإغوائهم من قولك فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه والوجه الثاني: أن تكون الواو في قوله: { وَمَا تَعْبُدُونَ } بمعنى مع كما في قولهم كل رجل وضيعته، فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته، فكذلك جاز أن يسكت على قوله: { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } لأن قوله: { وَمَا تَعْبُدُونَ } ساد مسد الخبر، لأن معناه فإنكم مع ما تعبدون، والمعنى فإنكم مع آلهتكم أي فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تتركون عبادتها، ثم قال تعالى: { مَا أَنتم عَلَيْهِ } أي على ما تعبدون { بِفَـٰتِنِينَ } بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } مثلكم. وقرأ الحسن { صَالِ ٱلْجَحِيمِ } بضم اللام ووجهه أن يكون جمعاً وسقوط واوه لالتقاء الساكنين، فإنه قيل كيف يستقيم الجمع مع قوله: { مَنْ هُوَ } قلنا { مِنْ } موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه. المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا تأثير لإغواء الشيطان ووسوسته، وإنما المؤثر قضاء الله تعالى وتقديره، لأن قوله تعالى: { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَـٰتِنِينَ } تصريح بأنه لا تأثير لقولهم ولا تأثير لأحوال معبوديهم في وقوع الفتنة والضلال، وقوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } يعني إلا من كان كذلك في حكم الله وتقديره، وذلك تصريح بأن المقتضي لوقوع هذه الحوادث حكم الله تعالى، وكان عمر بن عبد العزيز يحتج بهذه الآية في إثبات هذا المطلوب، قال الجبائي: المراد أن الذين عبدوا الملائكة يزعمون أنهم بنات الله لا يكفرون أحداً إلا من ثبت في معلوم الله أنه سيكفر، فدل هذا على أن من ضل بدعاء الشيطان لم يكن ليؤمن بالله لو منع الله الشيطان من دعائه وإلا كان يمنع الشيطان، فصح بهذا أن كل من يعصي لم يكن ليصلح عنه شيء من الأفعال والجواب: حاصل هذا الكلام أنه لا تأثير لإغواء شياطين الإنس والجن.

السابقالتالي
2 3