الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

في الترتيب وجهان، قد ذكرنا أن الله في كل موضع ذكر أصلين من الأصول الثلاثة، وهي الوحدانية والرسالة والحشر، ذكر الأصل الثالث منها، وههنا ذكر الأصلين الوحدانية والحشر، أما الوحدانية ففي قوله تعالى:أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى آدم أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ } [يسۤ: 60] وفي قوله:وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [يسۤ: 61] وأما الحشر ففي قوله تعالى:ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ } [يسۤ: 64] وفي قوله:ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ } [يسۤ: 65] إلى غير ذلك، فلما ذكرهما وبينهما ذكر الأصل الثالث وهو الرسالة فقال: { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ } وقوله: { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ } إشارة إلى أنه معلم من عند الله فعلمه ما أراد ولم يعلمه ما لم يرد، وفي تفسير الآية مباحث: البحث الأول: خص الشعر بنفي التعليم، مع أن الكفار كانوا ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جملتها السحر، ولم يقل وما علمناه السحر وكذلك كانوا ينسبونه إلى الكهانة، ولم يقل وما علمناه الكهانة، فنقول: أما الكهانة فكانوا ينسبون النبي صلى الله عليه وسلم إليها عندما كان يخبر عن الغيوب ويكون كما يقول. وأما السحر: فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يفعل ما لا يقدر عليه الغير كشق القمر وتكلم الحصى والجذع وغير ذلك. وأما الشعر: فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يتلوا القرآن عليهم لكنه صلى الله عليه وسلم ما كان يتحدى إلا بالقرآن، كما قال تعالى:وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ } [البقرة: 23] إلى غير ذلك، ولم يقل إن كنتم في شك من رسالتي فأنطقوا الجذوع أو أشبعوا الخلق العظيم أو أخبروا بالغيوب، فلما كان تحديه صلى الله عليه وسلم بالكلام وكانوا ينسبونه إلى الشعر عند الكلام خص الشعر بنفي التعليم. البحث الثاني: ما معنى قوله: { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } قلنا: قال قوم ما كان يتأتى له، وآخرون ما يتسهل له حتى أنه إن تمثل بيت شعر سمع منه مزاحفاً يروى أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم: " ويأتيك من لم تزود بالأخبار ". وفيه وجه أحسن من ذلك وهو أن يحمل ما ينبغي له على مفهومه الظاهر وهو أن الشعر ما كان يليق به ولا يصلح له، وذلك لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن، فالشارع يكون اللفظ منه تبعاً للمعنى، والشاعر: يكون المعنى منه تبعاً للفظ، لأنه يقصد لفظاً به يصح وزن الشعر أو قافيته فيحتاج إلى التحيل لمعنى يأتي به لأجل ذلك اللفظ، وعلى هذا نقول: الشعر هو الكلام الموزون الذي قصد إلى وزنه قصداً أولياً، وأما من يقصد المعنى فيصدر موزوناً مقفى فلا يكون شاعراً، ألا ترى إلى قوله تعالى:

السابقالتالي
2