الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: من حيث اللغة فقوله لهم يحتمل أن يكون عائداً إلى الذرية، أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون، ويحتمل أن يكون عائداً إلى العباد الذين عاد إليهم قوله:وَءايَةٌ لَّهُمُ } [يس: 41] وهو الحق لأن الظاهر عود الضمائر إلى شيء واحد. المسألة الثانية: { مِنْ } يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون صلة تقديره وخلقنا لهم مثله، وهذا على رأي الأخفش، وسيبويه يقول: من لا يكون صلة إلا عند النفي، تقول ما جاءني من أحد كما في قوله تعالى:وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38]، وثانيهما: هي مبينة كما في قوله تعالى:يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } [الأحقاف: 31] كأنه لما قال: { خَلَقْنَا لَهُم } والمخلوق كان أشياء قال من مثل الفلك للبيان. المسألة الثالثة: الضمير في { مّثْلِهِ } على قول الأكثرين عائد إلى الفلك فيكون هذا كقوله تعالى:وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوٰجٌ } [ص: 58] وعلى هذا فالأظهر أن يكون المراد الفلك الآخر الموجود في زمانهم ويؤيد هذا هو أنه تعالى قال:وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } [يس: 43] ولو كان المراد الإبل على ما قاله بعض المفسرين لكان قوله: { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } فاصلاً بين متصلين، ويحتمل أن يقال الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور تقديره أن يقال: وخلقنا لهم من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله:خَلَق ٱلأَزْوٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ } [يس: 36] وهذا كما قالوا في قوله تعالى:لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } [يس: 35] أن الهاء عائد إلى ماذكرنا، أي من ثمر ما ذكرنا، وعلى هذا فقوله: { خَلَقْنَا لَهُم } فيه لطيفة، وهي أن ما من أحد إلا وله ركوب مركوب من الدواب وليس كل أحد يركب الفلك فقال في الفلك حملنا ذريتهم وإن كان ما حملناهم، وأما الخلق فلهم عام وما يركبون فيه وجهان أحدهما: هو الفلك الذي مثل فلك نوح ثانيهما: هو الإبل التي هي سفن البر، فإن قيل إذا كان المراد سفينة نوح فما وجه مناسبة الكلام؟ نقول ذكرهم بحال قوم نوح وأن المكذبين هلكوا والمؤمنين فازوا فكذلك هم إن آمنوا يفوزوا وإن كذبوا يهلكوا.