الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

ثم قال تعالى: { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } أي هذا وقت الحسرة فاحضري يا حسرة والتنكير للتكثير، وفيه مسائل: المسألة الأولى: الألف واللام في العباد يحتمل وجهين أحدهما: للمعهود وهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك وثانيهما: لتعريف الجنس جنس الكفار المكذبين. المسألة الثانية: من المتحسر؟ نقول فيه وجوه الأول: لا متحسر أصلاً في الحقيقة إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عند تحقق العذاب. وههنا بحث لغوي: وهو أن المفعول قد يرفض رأساً إذا كان الغرض غير متعلق به يقال إن فلاناً يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء معطي إذ المقصود أن له المنع والإعطاء، ورفض المفعول كثير وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل، والوجه فيه ما ذكرنا، أن ذكر المتحسر غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في ذلك الوقت الثاني: أن قائل يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيماً للأمر وتهويلاً له وحينئذٍ يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله كالضحك والنسيان والسخر والتعجب والتمني، أو نقول ليس معنى قولنا يا حسرة ويا ندامة، أن القائل متحسر أو نادم بل المعنى أنه مخبر عن وقوع الندامة، ولا يحتاج إلى تجوز في بيان كونه تعالى قال: { يا حَسْرَةً } بل يخبر به على حقيقته إلا في النداء، فإن النداء مجاز والمراد الإخبار الثالث: المتلهفون من المسلمين والملائكة ألا ترى إلى ما حكي عن حبيب أنه حين القتل كان يقول: اللهم اهد قومي وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة قال: يا ليت قومي يعلمون، فيجوز أن يتحسر المسلم للكافر ويتندم له وعليه. المسألة الثالثة: قرىء { يا حَسْرَةً } بالتنوين، و يا حسرة العباد بالإضافة من غير كلمة على، وقرىء يا حسرة علي بالهاء إجراء للوصل مجرى الوقف. المسألة الرابعة: من المراد بالعباد؟ نقول فيه وجوه أحدها: الرسل الثلاثة كأن الكافرين يقولون عند ظهور البأس يا حسرة عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين شأننا لنؤمن بهم وثانيها: هم قوم حبيب وثالثها: كل من كفر وأصر واستكبر وعلى الأول فإطلاق العباد على المؤمنين كما في قوله:إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الحجر: 42] وقوله:قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [الزمر: 53] وعلى الثاني فإطلاق العباد على الكفار، وفرق بين العبد مطلقاً وبين المضاف إلى الله تعالى فإن الإضافة إلى الشريف تكسو المضاف شرفاً تقول بيت الله فيكون فيه من الشرف ما لا يكون في قولك البيت، وعلى هذا فقوله تعالى:وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان: 63] من قبيل قوله:إِنَّ عِبَادِي } [الحجر: 42] وكذلكعِبَادَ ٱللَّهِ } [الصافات: 74]. ثم بين الله تعالى سبب الحسرة بقوله تعالى: { مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } وهذا سبب الندامة وذلك لأن من جاءه ملك من بادية، وأعرفه نفسه، وطلب منه أمراً هيناً فكذبه ولم يجبه إلا ما دعاه، ثم وقف بين يديه وهو على سرير ملكه فعرفه أنه ذلك، يكون عنده من الندامة ما لا مزيد عليه، فكذلك الرسل هم ملوك وأعظم منهم بإعزاز الله إياهم وجعلهم نوابه كما قال:

السابقالتالي
2