الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً }

ثم قال تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ فِي ٱلأَرْضِ }. تقريراً لقطع حجتهم فإنهم لما قالوا:رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } [فاطر:37] وقال تعالى:أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ } [فاطر:37] إشارة إلى أن التمكين والإمهال مدة يمكن فيها المعرفة قد حصل وما آمنتم وزاد عليه بقوله:وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ } [فاطر: 37] أي آتيناكم عقولاً، وأرسلنا إليكم من يؤيد المعقول بالدليل المنقول زاد على ذلك بقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ فِي ٱلأَرْضِ } أي نبهكم بمن مضى وحال من انقضى فإنكم لو لم يحصل لكم علم بأن من كذب الرسل أهلك لكان عنادكم أخفى وفسادكم أخف، لكن أمهلتم وعمرتم وأمرتم على لسان الرسل بما أمرتم وجعلتم خلائف في الأرض، أي خليفة بعد خليفة تعلمون حال الماضين وتصبحون بحالهم راضين { فَمَن كَفَرَ } بعد هذا كله { فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً } لأن الكافر السابق كان ممقوتاً كالعبد الذي لا يخدم سيده واللاحق الذي أنذره الرسول ولم ينتبه أمقت كالعبد الذي ينصحه الناصح ويأمره بخدمة سيده ويعده ويوعده ولا ينفعه النصح ولا يسعده والتالي لهم الذي رأى عذاب من تقدم ولم يخش عذابه أمقت الكل. ثم قال تعالى: { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } أي الكفر لا ينفع عند الله حيث لا يزيد إلا المقت، ولا ينفعهم في أنفسهم حيث لا يفيدهم إلا الخسارة، فإن العمر كالرأس مال من اشترى به رضا الله ربح، ومن اشترى به سخطه خسر.