الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

قال تعالى: { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي لا يخفف وإن اصطرخوا واضطربوا لا يخفف الله من عنده إنعاماً إلى أن يطلبوه بل يطلبون ولا يجدون والاصطراخ من الصراخ والصراخ صوت المعذب. وقوله تعالى: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا } أي صراخهم بهذا أي يقولون: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا } لأن صراخهم كلام وفيه إشارة إلى أن إيلامهم تعذيب لا تأديب، وذلك لأن المؤدب إذا قال لمؤدبه: لا أرجع إلى ما فعلت وبئسما فعلت يتركه، وأما المعذب فلا وترتيبه حسن وذلك لأنه لما بين أنه لا يخفف عنهم بالكلية ولا يعفو عنهم بين أنه لا يقبل منهم وعداً وهذا لأن المحبوس يصبر لعله يخرج من غير سؤال فإذا طال لبثه تطلب الإخراج من غير قطيعة على نفسه فإن لم يقده يقطع على نفسه قطيعة ويقول أخرجني أفعل كذا وكذا. واعلم أن الله تعالى قد بين أن من يكون في الدنيا ضالاً فهو في الآخرة ضال كما قال تعالى:وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } [الإسراء: 72] ثم إنهم لم يعلموا أن العود إلى الدنيا بعيد محال بحكم الإخبار. وعلى هذا قالوا: { نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } جازمين من غير استعانة بالله ولا مثنوية فيه، ولم يقولوا إن الأمر بيد الله، فقال الله لهم إذا كان اعتمادكم على أنفسكم فقد عمرناكم مقداراً يمكن التذكر فيه والإتيان بالإيمان والإقبال على الأعمال. وقولهم: { غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ } إشارة إلى ظهور فساد عملهم لهم، وكأن الله تعالى كما لم يهدهم في الدنيا لم يهدهم في الآخرة، فما قالوا ربنا زدت للمحسنين حسنات بفضلك لا بعلمهم ونحن أحوج إلى تخفيف العذاب منهم إلى تضعيف الثواب فافعل بنا ما أنت أهله نظراً إلى فضلك ولا تفعل بنا ما نحن أهله نظراً إلى عدلك وانظر إلى مغفرتك الهاطلة ولا تنظر إلى معذرتنا الباطلة، وكما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة فقالوا الحمد لله وقالوا ربنا غفور اعترافاً بتقصيرهم شكور إقراراً بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم وقالوا:أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ } [فاطر: 35] أي لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله وهم قالوا: { أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } إغماضاً في حق تعظيمه وإعراضاً عن الاعتراف بعجزهم عن الإتيان بما يناسب عظمته، ثم إنه تعالى بين أنه آتاهم ما يتعلق بقبول المحل من العمر الطويل وما يتعلق بالفاعل في المحل، فإن النبـي صلى الله عليه وسلم كفاعل الخير فيهم ومظهر السعادات. فقال تعالى: { أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ }.

السابقالتالي
2