الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }

استدلال آخر باختلاف الأزمنة وقد ذكرناه مراراً، وذكرنا أن قوله تعالى بعده: { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } جواب لسؤال يذكره المشركون وهو أنهم قالوا اختلاف الليل والنهار بسبب اختلاف القسي الواقعة فوق الأرض وتحتها، فإن في الصيف تمر الشمس على سمت الرؤوس في بعض البلاد الماثلة في الآفاق، وحركة الشمس هناك حمائلية فتقع تحت الأرض أقل من نصف دائرة زمان مكثها تحت الأرض فيقصر الليل وفي الشتاء بالضد فيقصر النهار فقال الله تعالى: { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } يعني سبب الاختلاف وإن كان ما ذكرتم، لكن سير الشمس والقمر بإرادة الله وقدرته فهو الذي فعل ذلك. ثم قال تعالى: { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }. أي ذلك الذي فعل هذه الأشياء من فطر السموات والأرض وإرسال الأرواح وإرسال الرياح وخلق الإنسان من تراب وغير ذلك له الملك كله فلا معبود إلا هو لذاته الكامل ولكونه ملكاً والملك مخدوم بقدر ملكه، فإذا كان له الملك كله فله العبادة كلها، ثم بين ما ينافي صفة الإلهية، وهو قوله: { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } ، وههنا لطيفة: وهي أن الله تعالى ذكر لنفسه نوعين من الأوصاف أحدهما: أن الخلق بالقدرة الإرادة والثاني: الملك واستدل بهما على أنه إله معبود كما قال تعالى:قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ * مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 1-3] ذكر الرب والملك ورتب عليهما كونه إلهاً أي معبوداً، وذكر فيمن أشركوا به سلب صفة واحدة وهو عدم الملك بقوله: { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } ولم يذكر سلب الوصف الآخر لوجهين أحدهما: أن كلهم كانوا معترفين بأن لا خالق لهم إلا الله وإنما كانوا يقولون بأن الله تعالى فوض أمر الأرض والأرضيات إلى الكواكب التي الأصنام على صورتها وطوالعها فقال: لا ملك لهم ولا ملكهم الله شيئاً ولا ملكوا شيئاً وثانيهما: أنه يلزم من عدم الملك عدم الخلق لأنه لو خلق شيئاً لملكه فإذا لم يملك قطميراً ما خلق قليلاً ولا كثيراً.