الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }

لما ذكر الله أنه يقذف بالحق وكان ذلك بصيغة الاستقبال، ذكر أن ذلك الحق قد جاء وفيه وجوه أحدها: أنه القرآن الثاني: أنه بيان التوحيد والحشر وكل ما ظهر على لسان النبـي صلى الله عليه وسلم الثالث: المعجزات الدالة على نبوة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يكون المراد من { جَاء ٱلْحَقُّ } ظهر الحق لأن كل ما جاء فقد ظهر والباطل خلاف الحق، وقد بينا أن الحق هو الموجود، ولما كان ما جاء به النبـي صلى الله عليه وسلم لم يمكن انتفاؤه كالتوحيد والرسالة والحشر، كان حقاً لا ينتفي، ولما كان ما يأتون به من الإشراك والتكذيب لا يمكن وجوده كان باطلاً لا يثبت، وهذا المعنى يفهم من قوله: { وَمَا يُبْدِىء ٱلْبَـٰطِلُ } أي الباطل لا يفيد شيئاً في الأولى ولا في الآخرة فلا إمكان لوجوده أصلاً، والحق المأتي به لا عدم له أصلاً، وقيل المراد لا يبدىء الشيطان ولا يعيد، وفيه معنى لطيف وهو أن قوله تعالى: { قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } لما كان فيه معنى قوله تعالى: { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ } كان يقع لمتوهم أن الباطل كان فورد عليه الحق فأبطله ودمغه، فقال ههنا ليس للباطل تحقق أولاً وآخراً، وإنما المراد من قوله: { فَيَدْمَغُهُ } أي فيظهر بطلانه الذي لم يزل كذلك وإليه الإشارة بقوله تعالى في موضع آخر:وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء: 81] يعني ليس أمراً متجدداً زهوق الباطل، فقوله: { وَمَا يُبْدِىء ٱلْبَـٰطِلُ } أي لا يثبت في الأول شيئاً خلاف الحق { وما يُعِيدُ } أي لا يعيد في الآخرة شيئاً خلاف الحق.