الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

لما بين عظمة سليمان وتسخير الريح والروح له بين أنه لم ينج من الموت، وأنه قضى عليه الموت، تنبيهاً للخلق على أن الموت لا بد منه، ولو نجا منه أحد لكان سليمان أولى بالنجاة منه، وفيه مسائل: المسألة الأولى: كان سليمان عليه السلام يقف في عبادة الله ليلة كاملة ويوماً تاماً وفي بعض الأوقات يزيد عليه، وكان له عصا يتكىء عليها واقفاً بين يدي ربه، ثم في بعض الأوقات كان واقفاً على عادته في عبادته إذ توفي، فظن جنوده أنه في العبادة وبقي كذلك أياماً وتمادى شهوراً، ثم أراد الله إظهار الأمر لهم، فقدر أن أكلت دابة الأرض عصاه فوقع وعلم حاله. وقوله تعالى: { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } كانت الجن تعلم ما لا يعلمه الإنسان فظن أن ذلك القدر علم الغيب وليس كذلك، بل الإنسان لم يؤت من العلم إلا قليلاً فهو أكثر الأشياء الحاضرة لا يعلمه، والجن لم تعلم إلا الأشياء الظاهرة وإن كانت خفية بالنسبة إلى الإنسان، وتبين لهم الأمر بأنهم لا يعلمون الغيب إذ لو كانوا يعلمونه لما بقوا في الأعمال الشاقة ظانين أن سليمان حي. وقوله: { مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } دليل على أن المؤمنين من الجن لم يكونوا في التسخير، لأن المؤمن لا يكون في زمان النبـي في العذاب المهين.