الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرىء { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرِّيحَ } بالرفع وبالنصب وجه الرفع ولسليمان الريح مسخرة أو سخرت لسليمان الريح ووجه النصب ولسليمان سخرنا الريح وللرفع وجه آخر وهو أن يقال معناه: { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرِّيحَ } كما يقال لزيد الدار، وذلك لأن الريح كانت له كالمملوك المختص به يأمرها بما يريد حيث يريد. المسألة الثانية: الواو للعطف فعلى قراءة الرفع يصير عطفاً لجملة إسمية على جملة فعلية وهو لا يجوز أولا يحسن فكيف هذا فنقول لما بين حال داود كأنه تعالى قال ما ذكرنا لداود ولسليمان الريح، وأما على النصب فعلى قولنا: { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } كأنه قال: وألنا لداود الحديد وسخرنا لسليمان الريح. المسألة الثالثة: المسخر لسليمان كانت ريحاً مخصوصة لا هذه الرياح، فإنها المنافع عامة في أوقات الحاجات ويدل عليه أنه لم يقرأ إلا على التوحيد فما قرأ أحد الرياح. المسألة الرابعة: قال بعض الناس: المراد من تسخير الجبال وتسبيحها مع داود أنها كانت تسبح كما يسبح كل شيءوَإِن مّن شَيْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } [الإسراء: 44]، وكان هو عليه السلام يفقه تسبيحها فيسبح، ومن تسخير الريح أنه راض الخيل وهي كالريح وقوله: { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } ثلاثون فرسخاً لأن من يخرج للتفرج في أكثر الأمر لا يسير أكثر من فرسخ ويرجع كذلك، وقوله في حق داود: { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } وقوله في حق سليمان: { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أنهم استخرجوا تذويب الحديد والنحاس بالنار واستعمال الآلات منهما والشياطين أي أناساً أقوياء وهذا كله فاسد حمله على هذا ضعف اعتقاده [و] عدم اعتماده على قدرة الله والله قادر على كل ممكن وهذه أشياء ممكنة. المسألة الخامسة: أقول قوله تعالى:وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ ٱلْجِبَالُ } [الأنبياء: 79] وقوله:وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } [الأنبياء: 81] لو قال قائل ما الحكمة في أن الله تعالى قال في الأنبياء: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ ٱلْجِبَالُ } وفي هذه السورة قال:يٰجِبَالُ أَوّبِي مَعَهُ } [سبأ: 10] وقال في الريح هناك وههنا: { وَلِسُلَيْمَـٰنَ } تقول الجبال لما سبحت شرفت بذكر الله فلم يضفها إلى داود بلام الملك بل جعلها معه كالمصاحب، والريح لم يذكر فيها أنها سبحت فجعلها كالمملوكة له وهذا حسن وفيه أمر آخر معقول يظهر لي وهو أن على قولنا: { أَوّبِي مَعَهُ } سيري فالجبل في السير ليس أصلاً بل هو يتحرك معه تبعاً، والريح لا تتحرك مع سليمان بل تحرك سليمان مع نفسها، فلم يقل الريح مع سليمان، بل سليمان كان مع الريح { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أي النحاس { وَمِنَ ٱلْجِنّ } أي سخرنا له من الجن، وهذا ينبـىء عن أن جميعهم ما كانوا تحت أمره وهو الظاهر.

السابقالتالي
2