الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

أي حملها الإنسان ليقع تعذيب المنافق والمشرك، فإن قال قائل لم قدم التعذيب على التوبة نقول لما سمى التكليف أمانة والأمانة من حكمها اللازم أن الخائن يضمن وليس من حكمها اللازم أن الأمين الباذل جهده يستفيد أجرة فكان التعذيب على الخيانة كاللازم والأجر على الحفظ إحسان والعدل قبل الإحسان وفيه مسألتان: المسألة الأولى: لم عطف المشرك على المنافق، ولم يعد اسمه تعالى فلم يقل ويعذب الله المشركين وعند التوبة أعاد اسمه وقال { ويتوب الله } ولو قال ويتوب على المؤمنين كان المعنى حاصلاً؟ نقول أراد تفضيل المؤمن على المنافق فجعله كالكلام المستأنف ويجب هناك ذلك الفاعل فقال: { وَيَتُوبَ ٱللَّهُ } ويحقق هذا قراءة من قرأ ويتوب الله بالرفع. المسألة الثانية: ذكر الله في الإنسان وصفين الظلوم والجهول وذكر من أوصافه وصفين فقال: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي كان غفوراً للظلوم ورحيماً على الجهول، وذلك لأن الله تعالى وعد عباده بأنه يغفر الظلم جميعاً إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك كما قال تعالى:إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] وأما الوعد فقوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [النساء: 48] وأما الرحمة على الجهل فلأن الجهل محل الرحمة ولذلك يعتذر المسيء بقوله ما علمت. وههنا لطيفة: وهي أن الله تعالى أعلم عبده بأنه غفور رحيم، وبصره بنفسه فرآه ظلوماً جهولاً ثم عرض عليه الأمانة فقبلها مع ظلمه وجهله لعلمه فيما يجبرها من الغفران والرحمة، والله أعلم.