الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً }

لما بين الله تعالى أن من يؤذي الله ورسوله يلعن ويعذب وكان ذلك إشارة إلى إيذاء هو كفر، أرشد المؤمنين إلى الامتناع من إيذاء هو دونه وهو لا يورث كفراً، وذلك مثل من لم يرض بقسمة النبـي عليه السلام وبحكمه بالفيء لبعض وغير ذلك فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءاذَوْاْ مُوسَىٰ } وحديث إيذاء موسى مختلف فيه، قال بعضهم هو إيذاؤهم إياه بنسبته إلى عيب في بدنه، وقال بعضهم: إن قارون قرر مع امرأة فاحشة حتى تقول عند بني إسرائيل إن موسى زنى بـي فلما جمع قارون القوم والمرأة حاضرة ألقى الله في قلبها أنها صدقت ولم تقل ما لقنت وبالجملة الإيذاء المذكور في القرآن كاف وهو أنهم قالوا له:ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } [المائدة: 24] وقولهم:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55] وقولهم:لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } [البقرة: 61] إلى غير ذلك فقال للمؤمنين لا تكونوا أمثالهم إذا طلبكم الرسول إلى القتال أي لا تقولوا: { ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } ولا تسألوا ما لم يؤذن لكم فيه:وإذا أمركم الرسول بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله: { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } على الأول ظاهر لأنه أبرز جسمه لقومه فرأوه وعلموا فساد اعتقادهم ونطقت المرأة بالحق وأمر الملائكة حتى عبروا بهرون عليهم فرأوه غير مجروح فعلموا براءة موسى عليه السلام عن قتله الذي رموه به، وعلى ما ذكرنا { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } أي أخرجه عن عهدة ما طلبوا بإعطائه البعض إياهم وإظهاره عدم جواز البعض وبالجملة قطع الله حجتهم ثم ضرب عليهم الذلة والمسكنة وغضب عليهم، وقوله: { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } أي ذا وجاهة ومعرفة، والوجيه هو الرجل الذي يكون له وجه أي يكون معروفاً بالخير، وكل أحد وإن كان عند الله معروفاً لكن المعرفة المجردة لا تكفي في الوجاهة، فإن من عرف غيره لكونه خادماً له وأجيراً عنده لا يقال هو وجيه عند فلان، وإنما الوجيه من يكون له خصال حميدة تجعل من شأنه أن يعرف ولا ينكر وكان كذلك.