الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً }

قد ذكرنا أن السورة فيها تأديب للنبـي عليه السلام من ربه فقوله في ابتدائها: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } اشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع ربه وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأَزْوٰجِكَ } إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع أهله وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ } إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع عامة الخلق وقوله تعالى: { شَـٰهِداً } يحتمل وجوهاً أحدهما: أنه شاهد على الخلق يوم القيامة كما قال تعالى:وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143] وعلى هذا فالنبـي بعث شاهداً أي متحملاً للشهادة ويكون في الآخرة شهيداً أي مؤدياً لما تحمله ثانيها: أنه شاهد أن لا إله إلا الله، وعلى هذا لطيفة وهو أن الله جعل النبـي شاهداً على الوحدانية والشاهد لا يكون مدعياً فالله تعالى لم يجعل النبـي في مسئلة الوحدانية مدعياً لها لأن المدعي من يقول شيئاً على خلاف الظاهر والوحدانية أظهر من الشمس والنبـي عليه السلام كان ادعى النبوة فجعل الله نفسه شاهداً له في مجازاة كونه شاهداً لله فقال تعالى:وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } [المنافقون: 1] وثالثها: أنه شاهد في الدنيا بأحوال الآخرة من الجنة والنار والميزان والصراط وشاهد في الآخرة بأحوال الدنيا بالطاعة والمعصية والصلاح والفساد وقوله: { وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً } فيه ترتيب حسن وذلك من حيث إن النبـي عليه السلام أرسل شاهداً بقوله لا إله إلا الله ويرغب في ذلك بالبشارة فإن لم يكف ذلك يرهب بالإنذار ثم لا يكتفي بقولهم لا إله إلا الله بل يدعوهم إلى سبيل الله كما قال تعالى:ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ } [النحل: 125] وقوله: { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } أي مبرهناً على ما يقول مظهراً له بأوضح الحجج وهو المراد بقوله تعالى:بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [النحل: 125]. وفيه لطائف إحداها: قوله تعالى: { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } حيث لم يقل وشاهداً بإذنه ومبشراً وعند الدعاء قال وداعياً بإذنه، وذلك لأن من يقول عن ملك إنه ملك الدنيا لا غيره لا يحتاج فيه إلى إذن منه فإنه وصفه بما فيه وكذلك إذا قال من يطيعه يسعد ومن يعصه يشقى يكون مبشراً ونذيراً ولا يحتاج إلى إذن من الملك في ذلك، وأما إذا قال تعالوا إلى سماطه، واحضروا على خوانه يحتاج فيه إلى إذنه فقال تعالى: { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } ووجه آخر وهو أن النبـي يقول إني أدعو إلى الله والولي يدعو إلى الله، والأول لا إذن له فيه من أحد، والثاني مأذون من جهة النبـي عليه السلام كما قال تعالى:قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى ٱدْعُواْ إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى } [يوسف: 108] وقال عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2