الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ }

القصة الثالثةوصفه طهارة مريم صلوات الله عليها وفيه مسائل: المسألة الأولى: عامل الإعراب ههنا في { إِذْ } هو ما ذكرناه في قولهإِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرٰنَ } [آل عمران: 35] من قوله { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ثم عطف عليه { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ } وقيل: تقديره واذكر إذ قالت الملائكة. المسألة الثانية: قالوا المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده، وهذا كقولهيُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } [النحل: 2] يعني جبريل، وهذا وإن كان عدولاً عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه، لأن سورة مريم دلت على أن المتكلم مع مريم عليها السلام هو جبريل عليه السلام، وهو قولهفَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [مريم: 17]. المسألةالثالثة: اعلم أن مريم عليها السلام ما كانت من الأنبياء لقوله تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [يوسف: 109] وإذا كان كذلك كان إرسال جبريل عليه السلام إليها إما أن يكون كرامة لها، وهو مذهب من يجوز كرامات الأولياء، أو إرهاصاً لعيسى عليه السلام، وذلك جائز عندنا، وعند الكعبي من المعتزلة، أو معجزة لزكرياء عليه السلام، وهو قول جمهور المعتزلة، ومن الناس من قال: إن ذلك كان على سبيل النفث في الروع والإلهام والإلقاء في القلب، كما كان في حق أم موسى عليه السلام في قولهوَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ } [القصص: 7]. المسألة الرابعة: اعلم أن المذكور في هذه الآية أولاً: هو الاصطفاء، وثانياً: التطهير، وثالثاً: الاصطفاء على نساء العالمين، ولا يجوز أن يكون الاصطفاء أولاً من الاصطفاء الثاني، لما أن التصريح بالتكرير غير لائق، فلا بد من صرف الاصطفاء الأول إلى ما اتفق لها من الأمور الحسنة في أول عمرها، والاصطفاء الثاني إلى ما اتفق لها في آخر عمرها. النوع الأول من الاصطفاء: فهو أمور أحدها: أنه تعالى قبل تحريرها مع أنها كانت أنثى ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها من الإناث وثانيها: قال الحسن: إن أمها لما وضعتها ما غذتها طرفة عين، بل ألقتها إلى زكريا، وكان رزقها يأتيها من الجنة وثالثها: أنه تعالى فرغها لعبادته، وخصها في هذا المعنى بأنواع اللطف والهداية والعصمة ورابعها: أنه كفاها أمر معيشتها، فكان يأتيها رزقها من عند الله تعالى على ما قال الله تعالى: { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وخامسها: أنه تعالى أسمعها كلام الملائكة شفاها، ولم يتفق ذلك لأنثى غيرها، فهذا هو المراد من الاصطفاء الأول، وأما التطهير ففيه وجوه أحدها: أنه تعالى طهرها عن الكفر والمعصية، فهو كقوله تعالى في أزواج النبي صلى الله عليه وسلموَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً } [الأحزاب: 33] وثانيها: أنه تعالى طهرها عن مسيس الرجال وثالثها: طهرها عن الحيض، قالوا: كانت مريم لا تحيض ورابعها: وطهرك من الأفعال الذميمة، والعادات القبيحة وخامسها: وطهرك عن مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم.

السابقالتالي
2 3