الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

إعلم أنه تعالى لما ذكر دلائل التوحيد والنبوّة، وصحة دين الإسلام، ثم قال لرسولهفَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } [آل عمران:20] ثم ذكر من صفات المخالفين كفرهم بالله، وقتلهم الأنبياء والصالحين بغير حق، وذكر شدة عنادهم وتمردهم في قولهأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } [آل عمران: 23] ثم ذكر شدة غرورهم بقولهلَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } [آل عمران: 24] ثم ذكر وعيدهم بقولهفَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـٰهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [آل عمران: 25] أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء وتمجيد يدل على مباينة طريقه وطريق أتباعه، لطريقة هؤلاء الكافرين المعاندين المعرضين، فقال معلماً نبيّه كيف يمجّد ويعظم ويدعو ويطلب { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اختلف النحويون في قوله { ٱللَّهُمَّ } فقال الخليل وسيبويه { ٱللَّهُمَّ } معناه: يا الله، والميم المشددة عوض من يا، وقال الفرّاء: كان أصلها، يا الله أم بخير: فلما كثر في الكلام حذفوا حرف النداء، وحذفوا الهمزة من: أم، فصار { ٱللَّهُمَّ } ونظيره قول العرب: هلم، والأصل: هل، فضم: أم إليها، حجة الأولين على فساد قول الفرّاء وجوه الأول: لو كان الأمر على ما قاله الفراء لما صحّ أن يقال: اللّهم افعل كذا إلا بحرف العطف، لأن التقدير: يا الله أمنا واغفر لنا، ولم نجد أحداً يذكر هذا الحرف العاطف والثاني: وهو حجة الزجاج أنه لو كان الأمر كما قال، لجاز أن يتكلم به على أصله، فيقال الله أم كما يقال ويلم ثم يتكلم به على الأصل فيقال وَيْلٌ أُمُّهُ الثالث: لو كان الأمر على ما قاله الفراء لكان حرف النداء محذوفاً، فكان يجوز أن يقال: يا اللّهم، فلما لم يكن هذا جائزاً علمنا فساد قول الفراء بل نقول: كان يجب أن يكون حرف النداء لازماً، كما يقال: يا الله اغفر لي، وأجاب الفراء عن هذه الوجوه، فقال: أما الأول فضعيف، لأن قوله يا الله أم معناه: يا الله اقصد، فلو قال: واغفر لكان المعطوف مغايراً للمعطوف عليه فحينئذ يصير السؤال سؤالين أحدهما: قوله { أمنا } والثاني: قولهوَٱغْفِرْ لَنَا } [البقرة:286] أما إذا حذفنا العطف صار قوله: اغفر لنا تفسيراً لقوله: أمنا. فكان المطلوب في الحالين شيئاً واحداً فكان ذلك آكد، ونظائره كثيرة في القرآن، وأما الثاني فضعيف أيضاً، لأن أصله عندنا أن يقال: يا الله أمنا. ومن الذي ينكر جواز التكلم بذلك، وأيضاً فلأن كثيراً من الألفاظ لا يجوز فيها إقامة الفرع مقام الأصل، ألا ترى أن مذهب الخليل وسيبويه أن قوله: ما أكرمه، معناه أي شيء أكرمه ثم إنه قط لا يستعمل هذا الكلام الذي زعموا أنه الأصل في معرض التعجب فكذا ههنا، وأما الثالث: فمن الذي سلم لكم أنه لا يجوز أن يقالّ: يا اللّهم وأنشد الفرّاء:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9