الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر حال المؤمنين وكان قد ذكر حال الكفار من قبل، بأن مصيرهم إلى النار بين في هذه الآية أن من آمن منهم كان داخلا في صفة الذين اتقوا فقال: { وَإِن مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } واختلفوا في نزولها، فقال ابن عباس وجابر وقتادة: نزلت في النجاشي حين مات وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المنافقون: إنه يصلي على نصراني لم يره قط، وقال ابن جريج وابن زيد: نزلت في عبدالله بن سلام وأصحابه، وقيل: نزلت في أربعين من أهل نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا. وقال مجاهد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم، وهذا هو الأولى لأنه لما ذكر الكفار بأن مصيرهم إلى العقاب، بين فيمن آمن منهم بأن مصيرهم إلى الثواب. واعلم أنه تعالى وصفهم بصفات: أولها: الايمان بالله، وثانيها: الايمان بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وثالثها: الايمان بما أنزل على الأنبياء الذين كانوا قبل محمد عليه الصلاة والسلام. ورابعها: كونهم خاشعين لله وهو حال من فاعل يُؤْمِنُ لأن مَن يُؤْمِنُ في معنى الجمع. وخامسها: أنهم لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلا كما يفعله أهل الكتاب ممن كان يكتم أمر الرسول وصحة نبوته. ثم قال تعالى في صفتهم: { أُوْلـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } والفائدة في كونه سريع الحساب كونه عالما بجميع المعلومات، فيعلم ما لكل واحد من الثواب والعقاب. قوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. واعلم أنه تعالى لما ذكر في هذه السورة أنواعا كثيرة من علوم الأصول والفروع، أما الأصول ففيما يتعلق بتقرير التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وأما الفروع ففيما يتعلق بالتكاليف والأحكام نحو الحج والجهاد وغيرهما، ختم هذه السورة بهذه الآية المشتملة على جميع الآداب، وذلك لأن أحوال الانسان قسمان: منها ما يتعلق به وحده، ومنها ما يكون مشتركا بينه وبين غيره، أما القسم الأول فلا بد فيه من الصبر، وأما القسم الثاني فلا بد فيه من المصابرة. أما الصبر فيندرج تحته أنواع: أولها: أن يصبر على مشقة النظر والاستدلال في معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وعلى مشقة استنباط الجواب عن شبهات المخالفين. وثانيها: أن يصبر على مشقة أداء الواجبات والمندوبات. وثالثها: أن يصبر على مشقة الاحتراز عن المنهيات. ورابعها: الصبر على شدائد الدنيا وآفاتها من المرض والفقر والقحط والخوف، فقوله: { ٱصْبِرُواْ } يدخل تحته هذه الأقسام، وتحت كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة أنواع لا نهاية لها، وأما المصابرة فهي عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بينه وبين الغير، ويدخل فيه تحمل الاخلاق الردية من أهل البيت والجيران والأقارب، ويدخل فيه ترك الانتقام ممن أساء اليك كما قال:

السابقالتالي
2 3