الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ }

اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم عرفوا الله بالدليل وهو قوله:إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [آل عمران: 190] إلى قوله:لأَيَـٰتٍ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } [آل عمران: 190] ثم حكى عنهم مواظبتهم على الذكر وهو قوله: { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً } وعلى التفكر وهو قوله: { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } ثم حكى عنهم أنهم أثنوا على الله تعالى وهو قولهم:رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ } [آل عمران: 191] ثم حكى عنهم أنهم بعد الثناء اشتغلوا بالدعاء وهو من قولهم:فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران: 191] إلى قوله:إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [آل عمران: 194] بين في هذه الآية أنه استجاب دعاءهم فقال: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: في الآية تنبيه على أن استجابة الدعاء مشروطة بهذه الأمور، فلما كان حصول هذه الشرائط عزيزا، لا جرم كان الشخص الذي يكون مجاب الدعاء عزيزا. المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: يقال استجابه واستجاب له، قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا   فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 34]. المسألة الثالثة: أني لا أضيع: قرىء بالفتح، والتقدير: بأني لا أضيع، وبالكسر على إرادة القول، وقرىء { لاَ أُضِيعُ } بالتشديد. المسألة الرابعة: من: في قوله: { مّن ذِكْرِ } قيل للتبيين كقوله:فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } [الحج: 30] وقيل: إنها مؤكدة للنفي بمعنى: عمل عامل منكم ذكر أو أنثى. المسألة الخامسة: اعلم أنه ليس المراد أنه لا يضيع نفس العمل، لأن العمل كلما وجد تلاشى وفنى، بل المراد أنه لا يضيع ثواب العمل، والاضاعة عبارة عن ترك الاثابة فقوله: { لاَ أُضِيعُ } نفي للنفي فيكون اثباتا، فيصير المعنى: اني أوصل ثواب جميع أعمالهم اليكم، اذا ثبت ما قلنا فالآية دالة على أن أحدا من المؤمنين لا يبقى في النار مخلدا، والدليل عليه أنه بايمانه استحق ثوابا، وبمعصيته استحق عقابا، فلا بد من وصولهما اليه بحكم هذه الآية والجمع بينهما محال، فاما أن يقدم الثواب ثم ينقله الى العقاب وهو باطل بالاجماع، أو يقدم العقاب ثم ينقله الى الثواب وهو المطلوب. المسألة السادسة: جمهور المفسرين فسروا الآية بأن معناها أنه تعالى قبل منهم أنه يجازيهم على أعمالهم وطاعاتهم ويوصل ثواب تلك الاعمال اليهم. فان قيل: القوم أولا طلبوا غفران الذنوب، وثانيا إعطاء الثواب فقوله: { أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } إجابة لهم في إعطاء الثواب، فأين الإجابة في طلب غفران الذنوب؟ قلنا: إنه لا يلزم من إسقاط العذاب حصول الثواب، لكن يلزم من حصول الثواب سقوط العقاب فصار قوله: { أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } اجابة لدعائهم في المطلوبين.

السابقالتالي
2 3