الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

اعلم أنه تعالى لما سلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [آل عمران: 185] زاد في تسليته بهذه الآية، فبين أن الكفار بعد أن آذوا الرسول والمسلمين يوم أحد، فسيؤذونهم أيضا في المستقبل بكل طريق يمكنهم، من الايذاء بالنفس والايذاء بالمال، والغرض من هذا الاعلام أن يوطنوا أنفسهم على الصبر وترك الجزع، وذلك لأن الانسان إذا لم يعلم نزول البلاء عليه فاذا انزل البلاء عليه شق ذلك عليه، أما اذا كان عالما بأنه سينزل، فاذا نزل لم يعظم وقعه عليه. أما قوله: { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي رحمه الله: اللام لام القسم، والنون دخلت مؤكدة وضمت الواو لسكونها وسكون النون، ولم تكسر لالتقاء الساكنين لأنها واو جمع فحركت بما كان يجب لما قبلها من الضم، ومثلهٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَة } [البقرة: 16]. المسألة الثانية: { لَتُبْلَوُنَّ } لتختبرن، ومعلوم أنه لا يجوز في وصف الله تعالى الاختبار لأنه طلب المعرفة ليعرف الجيد من الردىء، ولكن معناه في وصف الله تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر. المسألة الثالثة: اختلفوا في معنى هذا الابتلاء فقال بعضهم: المراد ما ينالهم من الشدة والفقر وما ينالهم من القتل والجرح والهزيمة من جهة الكفار، ومن حيث ألزموا الصبر في الجهاد. وقال الحسن: المراد به التكاليف الشديدة المتعلقة بالبدن والمال، وهي الصلاة والزكاة والجهاد. قال القاضي: والظاهر يحتمل كل واحد من الأمرين فلا يمتنع حمله عليهما. وأما قوله: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } فالمراد منه أنواع الايذاء الحاصلة من اليهود والنصارى والمشركين للمسلمين، وذلك لأنهم كانوا يقولون عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وثالث ثلاثة، وكانوا يطعنون في الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ما يقدرون عليه، ولقد هجاه كعب بن الأشرف، وكانوا يحرضون الناس على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما المشركون فهم كانوا يحرضون الناس على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ويجمعون العساكر على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ويثبطون المسلمين عن نصرته، فيجب أن يكون الكلام محمولا على الكل إذ ليس حمله على البعض أولى من حمله على الثاني. ثم قال عطفا على الأمرين: { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال المفسرون: بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر الى فنحاص اليهودي يستمده، فقال فنحاص قد احتاج ربك الى أن نمده، فهم أبو بكر رضي الله عنه أن يضربه بالسيف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه: لا تغلبن على شيء حتى ترجع إلي، فتذكر أبو بكر رضي الله عنه ذلك وكف عن الضرب ونزلت هذه الآية.

السابقالتالي
2