الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع { يَحْزُنكَ } بضم الياء وكسر الزاي، وكذلك في جميع ما في القرآن إلا قوله:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] في سورة الأنبياء، فانه فتح الياء وضم الزاي، والباقون كلهم بفتح الياء وضم الزاي. قال الأزهري: اللغة الجيدة: حزنه يحزنه على ما قرأ به أكثر القراء، وحجة نافع أنهما لغتان يقال: حزن يحزن كنصر ينصر، وأحزن يحزن كأكرم يكرم لغتان. المسألة الثانية: اختلفوا في سبب نزول الآية على وجوه: الأول: أنها نزلت في كفار قريش، والله تعالى جعل رسوله آمنا من شرهم، والمعنى: لا يحزنك من يسارع في الكفر بأن يقصد جمع العساكر لمحاربتك، فانهم بهذا الصنيع إنما يضرون أنفسهم ولا يضرون الله، ولا بد من حمل ذلك على أنهم لن يضروا النبي وأصحابه من المؤمنين شيئا، واذا حمل على ذلك فلا بد من حمله على ضرر مخصوص، لأن من المشهور أنهم بعد ذلك ألحقوا أنواعا من الضرر بالنبي عليه الصلاة والسلام، والأولى أن يكون ذلك محمولا على أن مقصودهم من جمع العساكر إبطال هذا الدين وإزالة هذه الشريعة، وهذا المقصود لا يحصل لهم، بل يضمحل أمرهم وتزول شوكتهم، ويعظم أمرك ويعلو شأنك. الثاني: أنها نزلت في المنافقين، ومسارعتهم هي أنهم كانوا يخوفون المؤمنين بسبب وقعة أحد ويؤيسونهم من النصرة والظفر، أو بسبب أنهم كانوا يقولون إن محمداً طالب ملك، فتارة يكون الأمر له، وتارة عليه، ولو كان رسولا من عند الله ما غلب، وهذا كان ينفر المسلمين عن الاسلام، فكان الرسول يحزن بسببه. قال بعضهم: إن قوما من الكفار أسلموا ثم ارتدوا خوفا من قريش فوقع الغم في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك السبب، فانه عليه السلام ظن أنهم بسبب تلك الردة يلحقون به مضرة. فبين الله أن ردتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك قال القاضي: ويمكن أن يقوي هذا الوجه بأمور: الأول: أن المستمر على الكفر لا يوصف بانه يسارع في الكفر، وإنما يوصف بذلك من يكفر بعد الايمان. الثاني: أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة لا يليق إلا بمن قد آمن، فاستوجب ذلك، ثم أحبط. الثالث: أن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود، فلما قدر النبي صلى الله عليه وسلم الانتفاع بايمانهم، ثم كفروا حزن صلى الله عليه وسلم عند ذلك لفوات التكثير بهم، فآمنه الله من ذلك وعرفه أن وجود إيمانهم كعدمه في أن أحواله لا تتغير. القول الرابع: أن المراد رؤساء اليهود: كعب بن الأشرف وأصحابه الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم لمتاع الدنيا.

السابقالتالي
2