الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }

اعلم أن هذا متعلق بما تقدم من قوله:أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } [آل عمران: 165] فذكر في هذه الآية الأولى أنها أصابتهم بذنبهم ومن عند أنفسهم، وذكر في هذه الآية أنها أصابتهم لوجه آخر، وهو أن يتميز المؤمن عن المنافق، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله: { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } المراد يوم أحد، والجمعان: أحدهما جمع المسلمين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني: جمع المشركين الذين كانوا مع أبي سفيان. المسألة الثانية: في قوله: { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } وجوه: الأول: أن إذن الله عبارة عن التخلية وترك المدافعة، استعار الاذن لتخلية الكفار فانه لم يمنعهم منهم ليبتليهم، لأن الاذن في الشيء لا يدفع المأذون عن مراده، فلما كان ترك المدافعة من لوازم الاذن أطلق لفظ الاذن على ترك المدافعة على سبيل المجاز. الوجه الثاني: فباذن الله: أي بعلمه كقوله:وَأَذَانٌ مّنَ ٱللَّهِ } [التوبة: 3] أي إعلام، وكقوله:آذناكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } [فصلت: 47] وقوله:فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ } [البقرة: 279] وكل ذلك بمعنى العلم. طعن الواحدي فيه فقال: الآية تسلية للمؤمنين مما أصابهم ولا تقع التسلية إلا إذا كان واقعا بعلمه، لأن علمه عام في جميع المعلومات بدليل قوله تعالى:وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } [فاطر: 11]. الوجه الثالث: أن المراد من الاذن الأمر، بدليل قوله:ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } [آل عمران: 152] والمعنى أنه تعالى لما أمر بالمحاربة، ثم صارت تلك المحاربة مؤدية إلى ذلك الانهزام، صح على سبيل المجاز أن يقال حصل ذلك بأمره. الوجه الرابع: وهو المنقول عن ابن عباس: أن المراد من الاذن قضاء الله بذلك وحكمه به وهذا أولى لأن الآية تسلية للمؤمنين مما أصابهم، والتسلية إنما تحصل إذا قيل إن ذلك وقع بقضاء الله وقدره، فحينئذ يرضون بما قضى الله. ثم قال: { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } والمعنى ليميز المؤمنين عن المنافقين وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي: يقال: نافق الرجل فهو منافق إذا أظهر كلمة الايمان وأضمر خلافها، والنفاق اسم إسلامي اختلف في اشتقاقه على وجوه: الأول: قال أبو عبيدة: هو من نافقاء اليربوع، وذلك لأن جحر اليربوع له بابان: القاصعاء والنافقاء، فاذا طلب من أيهما كان خرج من الآخر فقيل للمنافق أنه منافق، لأنه وضع لنفسه طريقين، إظهار الاسلام وإضمار الكفر، فمن أيهما طلبته خرج من الآخر: الثاني: قال ابن الأَنباري: المنافق من النفق وهو السرب، ومعناه أنه يتستر بالاسلام كما يتستر الرجل في السرب. الثالث: أنه مأخوذ من النافقاء، لكن على غير هذا الوجه الذي ذكره أبو عبيدة، وهو أن النافقاء جحر يحفره اليربوع في داخل الأرض، ثم انه يرقق بما فوق الجحر، حتى إذا رابه ريب دفع التراب برأسه وخرج، فقيل للمنافق منافق لأنه يضمر الكفر في باطنه، فاذا فتشته رمى عنه ذلك الكفر وتمسك بالاسلام.

السابقالتالي
2 3