الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

اعلم أنه تعالى لما قال:ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } [آل عمران: 161] أتبعه بتفصيل هذه الجملة، وبين ان جزاء المطيعين ما هو، وجزاء المسيئين ما هو، فقال: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: للمفسرين فيه وجوه: الأول: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } في ترك الغلول { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } في فعل الغلول، وهو قول الكلبي والضحاك. الثاني: { أفمن اتبع رضوان الله } بالإيمان به والعمل بطاعته، { كمن باء بسخط من الله } بالكفر به والاشتغال بمعصيته، الثالث: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وهم المهاجرون، { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهم المنافقون، الرابع: قال الزجاج: لما حمل المشركون على المسلمين دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الى أن يحملوا على المشركين، ففعله بعضهم وتركه آخرون. فقال: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وهم الذين امتثلوا أمره { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهم الذين لم يقبلوا قوله، وقال القاضي: كل واحد من هذه الوجوه صحيح، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه لأن اللفظ عام، فوجب أن يتناول الكل. لأن كل من أقدم على الطاعة فهو داخل تحت قوله { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وكل من أخلد الى متابعة النفس والشهوة فهو داخل تحت قوله: { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } أقصى ما في الباب أن الآية نازلة في واقعة معينة، لكنك تعلم أن عموم اللفظ لا يبطل لأجل خصوص السبب. المسألة الثانية: قوله: { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ } الهمزة فيه للانكار، والفاء للعطف على محذوف تقديره: أمن اتقى فاتبع رضوان الله. المسألة الثالثة: قوله: { بَاء بِسَخطٍ } أي احتمله ورجع به، وقد ذكرناه في سورة البقرة. المسألة الرابعة: قرأ عاصم في إحدى الروايتين عنه: { رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } بضم الراء، والباقون بالكسر وهما مصدران، فالضم كالكفران، والكسر كالحسبان. المسألة الخامسة: قوله: { وَمَأْوَٰهُ جَهَنَّمُ } من صلة ما قبله والتقدير: كمن باء بسخط من الله وكان مأواه جهنم، فأما قوله: { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } فمنقطع عما قبله وهو كلام مبتدأ، كأنه لما ذكر جهنم أتبعه بذكر صفتها. المسألة السادسة: نظير هذه الآية قوله تعالى:أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلهُمْ كـَٱلَّذِينَ آمنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصـَّٰلِحـَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ ومماتُهُمْ } [الجاثية: 21] وقوله:أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [السجدة: 18] وقوله:أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ص: 28] واحتج القوم بهذه الآية على أنه لا يجوز من الله تعالى أن يدخل المطيعين في النار، وأن يدخل المذنبين الجنة، وقالوا: انه تعالى ذكر ذلك على سبيل الاستبعاد، ولولا أنه ممتنع في العقول، وإلا لما حسن هذا الاستبعاد، وأكد القفال ذلك فقال: لا يجوز في الحكمة أن يسوى المسيء بالمحسن، فإن فيه إغراء بالمعاصي وإباحة لها وإهمالا للطاعات.