الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: ما الفائدة في إعادة { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } مرة أخرى؟ نقول: الله تعالى ذكر من المكلفين قسمين مهتدياً وضالاً بقوله:فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ } [العنكبوت: 3] وذكر حال الضال مجملاً وحال المهتدي مفصلاً بقوله: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } ولما تمم ذلك ذكر قسمين آخرين هادياً ومضلاً فقوله:وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [العنكبوت: 8] يقتضي أن يهتدي بهما وقوله: { وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ } بيان إضلالهما وقوله: { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم } بطريق الإجمال تهديد المضل وقوله: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } على سبيل التفصيل وعد الهادي فذكر { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } مرة لبيان حال المهتدي، ومرة أخرى لبيان حال الهادي والذي يدل عليه هو أنه قال أولاً: { لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } ، وقال ثانياً: { لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّـٰلِحِينَ } والصالحون هم الهداة لأنه مرتبة الأنبياء ولهذا قال كثير من الأنبياءوَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } [يوسف: 101]. المسألة الثانية: قد ذكرنا أن الصالح باق والصالحون باقون وبقاؤهم ليس بأنفسهم بل بأعمالهم الباقية فأعمالهم باقية والمعمول له وهو وجه الله باق، والعاملون باقون ببقاء أعمالهم وهذا على خلاف الأمور الدنيوية، فإن في الدنيا بقاء الفعل بالفاعل وفي الآخرة بقاء الفاعل بالفعل. المسألة الثالثة: قيل في معنى قوله: { لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّـٰلِحِينَ } لندخلنهم في مقام الصالحين أو في دار الصالحين والأولى أن يقال لا حاجة إلى الإضمار بل يدخلهم في الصالحين أي يجعلهم منهم ويدخلهم في عدادهم كما يقال الفقيه داخل في العلماء. المسألة الرابعة: قال الحكماء عالم العناصر عالم الكون والفساد وما فيه يتطرق إليه الفساد فإن الماء يخرج عن كونه ماء ويفسد ويتكون منه هواء، وعالم السموات لا كون فيه ولا فساد بل يوجد من عدم ولا يعدم ولا يصير الملك تراباً بخلاف الإنسان فإنه يصير تراباً أو شيئاً آخر وعلى هذا فالعالم العلوي ليس بفاسد فهو صالح فقوله تعالى { لندخلهم في الصالحين } أي في المجردين الذين لا فساد لهم.