الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

لما بين إجمالاً أن من يعمل صالحاً فلنفسه بين مفصلاً بعض التفصيل أن جزاء المطيع الصالح عمله فقال: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: أنها تدل على أن الأعمال مغايرة للإيمان لأن العطف يوجب التغاير. المسألة الثانية: أنها تدل على أن الأعمال داخلة فيما هو المقصود من الإيمان لأن تكفير السيئات والجزاء بالأحسن معلق عليها وهي ثمرة الإيمان، ومثال هذا شجرة مثمرة لا شك في أن عروقها وأغصانها منها، والماء الذي يجري عليها والتراب الذي حواليها غير داخل فيها لكن الثمرة لا تحصل إلا بذلك الماء والتراب الخارج فكذلك العمل الصالح مع الإيمان وأيضاً الشجرة لو احتفت بها الحشائش المفسدة والأشواك المضرة ينقص ثمرة الشجرة وإن غلبتها عدمت الثمرة بالكلية وفسدت فكذلك الذنوب تفعل بالإيمان. المسألة الثالثة: الإيمان هو التصديق كما قال:وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [يوسف: 17] أي بمصدق واختص في استعمال الشرع بالتصديق بجميع ما قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التفصيل إن علم مفصلاً أنه قول الله أو قول الرسول أو على سبيل الإجمال فيما لم يعلم، والعمل الصالح عندنا كل ما أمر الله به صار صالحاً بأمره، ولو نهى عنه لما كان صالحاً فليس الصلاح والفساد من لوازم الفعل في نفسه، وقالت المعتزلة ذلك من صفات الفعل ويترتب عليه الأمر والنهي، فالصدق عمل صالح في نفسه ويأمر الله به لذلك، فعندنا الصلاح والفساد والحسن والقبح يترتب على الأمر والنهي، وعندهم الأمر والنهي يترتب على الحسن والقبح والمسألة بطولها في كتب الأصول. المسألة الرابعة: العمل الصالح باق لأن الصالح في مقابلة الفاسد والفاسد هو الهالك التالف، يقال فسدت الزروع إذا هلكت أو خرجت عن درجة الانتفاع ويقال هي بعد صالحة أي باقية على ما ينبغي. إذا علم هذا فنقول العمل الصالح لا يبقى بنفسه لأنه عرض، ولا يبقى بالعامل أيضاً لأنه هالك كما قال تعالى: { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ } فبقاؤه لا بد من أن يكون بشيء باق، لكن الباقي هو وجه الله لقوله:كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88] فينبغي أن يكون العمل لوجه الله حتى يبقى فيكون صالحاً، وما لا يكون لوجهه لا يبقى لا بنفسه ولا بالعامل ولا بالمعمول له فلا يكون صالحاً، فالعمل الصالح هو الذي أتى به المكلف مخلصاً لله. المسألة الخامسة: هذا يقتضي أن تكون النية شرطاً في الصالحات من الأعمال وهي قصد الإيقاع لله، ويندرج فيها النية في الصوم خلافاً لزفر، وفي الوضوء خلافاً لأبـي حنيفة رحمه الله. المسألة السادسة: العمل الصالح مرفوع لقوله تعالى:وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10] لكنه لا يرتفع إلا بالكلم الطيب فإنه يصعد بنفسه كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3