الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ }

وجه التعلق هو أن الله تعالى لما ذكر حال المشركين على حدة وحال أهل الكتاب على حدة وجمعهما في الإنذار وجعلهما من أهل النار اشتد عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعوهم من العبادة فقال مخاطباً للمؤمنين { يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ } إن تعذرت العبادة عليكم في بعضها فهاجروا ولا تتركوا عبادتي بحال، وبهذا علم أن الجلوس في دار الحرب حرام والخروج منها واجب، حتى لو حلف بالطلاق أنه لا يخرج لزمه الخروج، حتى يقع الطلاق ثم في الآية مسائل: المسألة الأولى: { يا عِبَادِي } لم يرد إلا المخاطبة مع المؤمنين مع أن الكافر داخل في قوله: { يا عِبَادِى } نقول ليس داخلاً في قوله: { يا عِبَادِي } نقول ليس داخلاً فيه لوجوه: أحدها: أن من قال في حقه { عِبَادِى } ليس للشيطان عليهم سلطان بدليل قوله تعالى:إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الحجر: 42] والكافر تحت سلطنة الشيطان فلا يكون داخلاً في قوله { يا عِبَادِى } الثاني: هو أن الخطاب بعبادي أشرف منازل المكلف، وذلك لأن الله تعالى لما خلق آدم آتاه اسماً عظيماً وهو اسم الخلافة كما قال تعالى:إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30] والخليفة أعظم الناس مقداراً وأتم ذوي البأس اقتداراً، ثم إن إبليس لم يرهب من هذا الاسم ولم ينهزم، بل أقدم عليه بسببه وعاداه وغلبه كما قال تعالى:فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } [البقرة: 36] ثم إن من أولاده الصالحين من سمى بعبادي فانخنس عنهم الشيطان وتضاءل، كما قال تعالى:إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الحجر: 42] وقال هو بلسانه { لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ } فعلم أن المكلف إذا كان عبداً لله يكون أعلى درجة مما إذا كان خليفة لوجه الأرض ولعل آدم كداود الذي قال الله تعالى في حقهإِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } [صۤ: 26] لم يتخلص من يد الشيطان إلا وقت ما قال الله تعالى في حقه عبدي وعندما ناداه بقوله:رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23] واجتباه بهذا النداء، كما قال في حق داودوَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودُ ذَا ٱلأَيْدِ } [صۤ: 17] إذا علم هذا فالكافر لا يصلح للخلافة فكيف يصلح لما هو أعظم من الخلافة؟ فلا يدخل في قوله { يا عِبَادِى } إلا المؤمن. الثالث: هو أن هذا الخطاب حصل للمؤمن بسعيه بتوفيق الله، وذلك لأن الله تعالى قال:ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] فالمؤمن دعا ربه بقوله:رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ أَنْ ءامِنُواْ بِرَبّكُمْ فَـئَامَنَّا } [آل عمران:193] فأجابه الله تعالى بقوله:يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [الزمر:53] فالإضافة بين الله وبين العبد بقول العبد إلهي وقول الله عبدي تأكدت بدعاء العبد، لكن الكافر لم يدع فلم يجب، فلا يتناول يا عبادي غير المؤمنين.

السابقالتالي
2