الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ }

لما بين الله طريقة إرشاد المشركين ونفع من انتفع وحصل اليأس ممن امتنع بين طريقة إرشاد أهل الكتاب فقال: { وَلاَ تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } قال بعض المفسرين المراد منه لا تجادلوهم بالسيف، وإن لم يؤمنوا إلا إذا ظلموا وحاربوا، أي إذا ظلموا زائداً على كفرهم، وفيه معنى ألطف منه وهو أن المشرك جاء بالمنكر على ما بيناه فكان اللائق أن يجادل بالأخشن ويبالغ في تهجين مذهبه وتوهين شبهه، ولهذا قال تعالى في حقهمصُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [البقرة: 18] وقال:لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ولهم آذان لا يسمعون بها } [الأعراف: 179] إلى غير ذلك. وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبـي عليه السلام فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب الضلال آباؤهم، بخلاف المشرك، ثم على هذا فقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } تبيين له حسن آخر، وهو أن يكون المراد إلا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد لله والقول بثالث ثلاثة فإنهم ضاهوهم في القول المنكر فهم الظالمون، لأن الشرك ظلم عظيم، فيجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم، ثم إنه تعالى بين ذلك الأحسن فقدم محاسنهم بقوله: { وَقُولُواْ ءامَنَّا بِٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فيلزمنا اتباع ما قاله لكنه بين رسالتي في كتبكم فهو دليل مضيء، ثم بعد ذلك ذكر دليلاً قياسياً فقال: { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني كما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا عليك وهذا قياس، ثم قال: { فَٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } لوجود النص ومن هؤلاء كذلك، واختلف المفسرون فقال بعضهم: المراد بالذين آتيناهم الكتاب من آمن بنبينا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره وبقوله: { وَمِنْ هَـؤُلاء } أي من أهل مكة وقال بعضهم: المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم زماناً من أهل الكتاب، ومن هؤلاء الذين هم في زمان محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وهذا أقرب، فإن قوله: { هَـؤُلاء } صرفه إلى أهل الكتاب أولى، لأن الكلام فيهم ولا ذكر للمشركين ههنا، إذ كان هذا الكلام بعد الفراغ من ذكرهم والإعراض عنهم لإصرارهم على الكفر، وههنا وجه آخر أولى وأقرب إلى العقل والنقل، وأقرب إلى الأحسن من الجدال المأمور به، وهو أن نقول المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الأنبياء وبقوله: { وَمِنْ هَـؤُلاء } أي من أهل الكتاب وهو أقرب، لأن الذين آتاهم الكتاب في الحقيقة هم الأنبياء، فإن الله ما آتى الكتاب إلا للأنبياء، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2