الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

ثم قال تعالى: { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } لما بين حسن التكليف بقوله: { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ } بين أن من كلف بشيء ولم يأت به يعذب وإن لم يعذب في الحال فسيعذب في الاستقبال ولا يفوت الله شيء في الحال ولا في المآل، وهذا إبطال مذهب من يقول التكاليف إرشادات والإيعاد عليه ترغيب وترهيب ولا يوجد من الله تعذيب ولو كان يعذب ما كان عاجزاً عن العذاب عاجلاً فلم كان يؤخر العقاب فقال تعالى: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا } يعني ليس كما قالوا بل يعذب من يعذب ويثيب من يثيب بحكم الوعد والإيعاد والله لا يخلف الميعاد، وأما الإمهال فلا يفضي إلى الإهمال والتعجيل في جزاء الأعمال شغل من يخاف الفوت لولا الاستعجال. ثم قال تعالى: { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } يعني حكمهم بأنهم يعصون ويخالفون أمر الله ولا يعاقبون حكم سيء فإن الحكم الحسن لا يكون إلا حكم العقل أو حكم الشرع والعقل لا يحكم على الله بذلك فإن الله له أن يفعل ما يريد والشرع حكمه بخلاف ما قالوه، فحكمهم حكم في غاية السوء والرداءة. ثم قال: { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }. لما بين بقوله: أحسب الناس أن العبد لا يترك في الدنيا سدى، وبين في قوله: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } أن من ترك ما كلف به يعذب كذا بين أن يعترف بالآخرة ويعمل لها لا يضيع عمله ولا يخيب أمله، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: أنا ذكرنا في مواضع أن الأصول الثلاثة وهي الأول وهو الله تعالى ووحدانيته والأصل الآخر وهو اليوم الآخر والأصل المتوسط وهو النبـي المرسل من الأول الموصل إلا الآخر لا يكاد ينفصل في الذكر الإلهي بعضها عن بعض، فقوله:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا } [العنكبوت: 2] فيه إشارة إلى الأصل الأول يعني أظنوا أنه يكفي الأصل الأول وقولهوَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [العنكبوت: 2، 3] يعني بإرسال الرسل وإيضاح السبل فيه إشارة إلى الأصل الثاني وقوله: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } مع قوله: { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ } فيه إشارة إلى الأصل الثالث وهو الآخر. المسألة الثانية: ذكر بعض المفسرين في تفسير لقاء الله أنه الرؤية وهو ضعيف فإن اللقاء والملاقاة بمعنى وهو في اللغة بمعنى الوصول حتى أن جمادين إذا تواصلا فقد لاقى أحدهما الآخر. المسألة الثالثة: قال بعض المفسرين المراد من الرجاء الخوف والمعنى من قوله: { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ } من كان يخاف الله وهو أيضاً ضعيف، فإن المشهور في الرجاء هو توقع الخير لا غير ولأنا أجمعنا على أن الرجاء ورد بهذا المعنى يقال أرجو فضل الله ولا يفهم منه أخاف فضل الله، وإذا كان وارداً لهذا لا يكون لغيره دفعاً للاشتراك.

السابقالتالي
2