الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ } * { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

ثم إنهم جاؤا من عند إبراهيم إلى لوط على صورة البشر فظنهم بشراً فخاف عليهم من قومه لأنهم كانوا على أحسن صورة خلق الله والقوم كما عرف حالهم فسيء بهم أي جاءه ما ساءه وخاف ثم عجز عن تدبيرهم فحزن وضاق بهم ذرعاً كناية عن العجز في تدبيرهم، قال الزمخشري يقال طال ذرعه وذراعه للقادر وضاق للعاجز، وذلك لأن من طال ذراعه يصل إلى ما لا يصل إليه قصير الذراع والاستعمال يحتمل وجهاً معقولاً غير ذلك، وهو أن الخوف والحزن يوجبان انقباض الروح ويتبعه اشتمال القلب عليه فينقبض هو أيضاً والقلب هو المعتبر من الإنسان، فكان الإنسان انقبض وانجمع وما يكون كذلك يقل ذرعه ومساحته فيضيق، ويقال في الحزين ضاق ذرعه والغضب والفرح يوجبان انبساط الروح فينبسط مكانه وهو القلب ويتسع فيقال اتسع ذرعه، ثم إن الملائكة لما رأوا خوفه في أول الأمر وحزنه بسبب تدبيرهم في ثاني الأمر قالوا لا تخف علينا ولا تحزن بسبب التفكر في أمرنا ثم ذكروا ما يوجب زوال خوفه وحزنه فإن مجرد قول القائل لا تخف لا يوجب زوال الخوف فقالوا معرضين بحالهم: { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } وإنا منزلون عليهم العذاب حتى يتبين له أنهم ملائكة فيطول ذرعه ويزول روعه وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: أنه تعالى قال من قبل:وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ } [العنكبوت: 31] وقال ههنا: { وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا } فما الحكمة فيه؟ فنقول حكمة بالغة وهي أن الواقع في وقت المجىء هناك قول الملائكة { إنا مهلكوا } وهو لم يكن متصلاً بمجيئهم لأنهم بشروا أولاً ولبثوا، ثم قالوا: إنا مهلكوا وأيضاً فالتأني واللبث بعد المجىء ثم الإخبار بالإهلاك حسن فإن من جاء ومعه خبر هائل يحسن منه أن لا يفاجىء به، والواقع ههنا هو خوف لوط عليهم، والمؤمن حين ما يشعر بمضرة تصل بريئاً من الجناية ينبغي أن يحزن ويخاف عليه من غير تأخير، إذا علم هذا فقوله ههنا: { وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا } يفيد الاتصال يعني خاف حين المجىء، فإن قلت هذا باطل بما أن هذه الحكاية جاءت في سورة هود77، وقال:وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً } من غير أن، فنقول هناك جاءت حكاية إبراهيم بصيغة أخرى حيث قال هناك:وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } [هود: 69] فقوله هنالك: { وَلَقَدْ جَاءتْ } لا يدل على أن قولهم: { أَنَّا أَرْسَلْنَا } كان في وقت المجىء. وقوله: { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىء بِهِمْ } دل على أن حزنه كان وقت المجىء. إذا علم هذا فنقول: هناك قد حصل ما ذكرنا من المقصود بقوله في حكاية إبراهيم:وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ }

السابقالتالي
2 3