الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

يعني لما رأى لوط معجزته آمن { وقال } إبراهيم { إِنّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبّى } أي إلى حيث أمرني بالتوجه إليه { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعزته، وحكيم لا يأمرني إلا بما يوافق لكمال حكمته، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله: { فَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } أي بعد ما رأى منه المعجز القاهر ودرجة لوط كانت عالية، وبقاؤه إلى هذا الوقت مما ينقص من الدرجة ألا ترى أن أبا بكر لما قبل دين محمد صلى الله عليه وسلم وكان نير القلب قبله قبل الكل، من غير سماع تكلم الحصى ولا رؤية انشقاق القمر، فنقول إن لوطاً لما رأى معجزته آمن برسالته، وإما بالوحدانية فآمن حيث سمع حسن مقالته، وإليه أشار بقوله: { فَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } وما قال فآمن لوط. المسألة الثانية: ما تعلق قوله وقال: { إِنّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبّى } بما تقدم؟ فنقول بما بالغ إبراهيم في الإرشاد ولم يهتد قومه، وحصل اليأس الكلي حيث رأى القوم الآية الكبرى ولم يؤمنوا وجبت المهاجرة، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسدة لأنه إن دام على الإرشاد كان اشتغالا بما لا ينتفع به مع علمه فيصير كمن يقول للحجر صدق وهو عبث أو يسكت والسكوت دليل الرضا فيقال بأنه صار منا ورضي بأفعالنا، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة. المسألة الثالثة: قال: { مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبّى } ولم يقل مهاجر إلى حيث أمرني ربـي مع أن المهاجرة إلى الرب توهم الجهة، فنقول قوله: مهاجر إلى حيث أمرني ربـي ليس في الإخلاص كقوله: { إِلَىٰ رَبّى } لأن الملك إذا صدر منه أمر برواح الأجناد إلى الموضع الفلاني، ثم إن واحداً منهم سافر إليه لغرض في نفسه يصيبه فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن لا مخلصاً لوجهه فقال: { مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبّى } يعني توجهي إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلباً للجهة إنما هو طلب لله.