الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ طسۤمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ }

اعلم أن قوله تعالى: { طسم } كسائر الفواتح وقد تقدم القول فيها و { تِلْكَ } إشارة إلى آيات السورة و { ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } هو إما اللوح وإما الكتاب الذي وعد الله إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم فبين أن آيات هذه السورة هي آيات ذلك الكتاب ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام، أو لأنه بين بفصاحته أنه من كلام الله دون كلام العباد، أو لأنه يبين صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو لأنه يبين خبر الأولين والآخرين، أو لأنه يبين كيفية التخلص عن شبهات أهل الضلال. أما قوله تعالى: { نتلو عَلَيْكَ } أي على لسان جبريل عليه السلام لأنه كان يتلو على محمد حتى يحفظه، وقوله: { مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ } فهو مفعول { نتلو عَلَيْكَ } أي نتلو عليك بعض خبرهما بالحق محقين، كقوله:تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون: 20] وقوله: { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فيه وجهان: أحدهما: أنه تعالى قد أراد بذلك من لا يؤمن أيضاً لكنه خص المؤمنين بالذكر لأنهم قبلوا وانتفعوا فهو كقوله:هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2]، والثاني: يحتمل أنه تعالى علم أن الصلاح في تلاوته هو إيمانهم وتكون إرادته لمن لا يؤمن كالتبع، قوله تعالى: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } قرىء فرعون بضم الفاء وكسرها، والكسر أحسن وهو كالقسطاس والقسطاس { عَلاَ } استكبر وتجبر وتعظم وبغى، والمراد به قوة الملك والعلو في الأرض يعني أرض مملكته، ثم فصل الله تعالى بعض ذلك بقوله: { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } أي فرقاً يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم مخالفته أو يشيع بعضهم بعضاً في استخدامه أو أصنافاً في استخدامه أو فرقاً مختلفة قد أغرى بينهم العداوة ليكونوا له أطوع أو المراد ما فسره بقوله: { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ } أي يستخدمهم { ويذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } فهذا هو المراد بالشيع. قوله: { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ } تلك الطائفة بنو إسرائيل، وفي سبب ذبح الأبناء وجوه: أحدها: أن كاهناً قال له يولد مولود في بني إسرائيل في ليلة كذا يذهب ملكك على يده، فولد تلك الليلة اثنا عشر غلاماً فقتلهم، وعند أكثر المفسرين بقي هذا العذاب في بني إسرائيل سنين كثيرة، قال وهب قتل القبط في طلب موسى عليه السلام تسعين ألفاً من بني إسرائيل. قال بعضهم في هذا دليل على حمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن وإن كذب فما وجه القتل؟ وهذا السؤال قد يذكر في تزييف علم الأحكام من علم النجوم ونظيره ما يقوله نفاة التكليف إن كان زيد في علم الله وفي قضائه من السعداء فلا حاجة إلى الطاعة، وإن كان من الأشقياء فلا فائدة في الطاعة، وأيضاً فهذا السؤال لو صح لبطل علم التعبير ومنفعته، وأيضاً فجواب المنجم أن النجوم دلت على أنه يولد ولد لو لم يقتل لصار كذا وكذا، وعلى هذا التقدير لا يكون السعي في قتله عبثاً.

السابقالتالي
2