الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

اعلم أن فرعون كانت عادته متى ظهرت حجة موسى أن يتعلق في دفع تلك الحجة بشبهة يروجها على أغمار قومه وذكر ههنا شبهتين الأولى: قوله: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } وهذا في الحقيقة يشتمل على كلامين: أحدهما: نفي إله غيره والثاني: إثبات إلهية نفسه، فأما الأول فقد كان اعتماده على أن ما لا دليل عليه لم يجز إثباته، أما أنه لا دليل عليه فلأن هذه الكواكب والأفلاك كافية في اختلاف أحوال هذا العالم السفلي فلا حاجة إلى إثبات صانع، وأما أن ما لا دليل عليه لم يجز إثباته فالأمر فيه ظاهر. واعلم أن المقدمة الأولى كاذبة فإنا لا نسلم أنه لا دليل على وجود الصانع وذلك لأنا إذا عرفنا بالدليل حدوث الأجسام عرفنا حدوث الأفلاك والكواكب، وعرفنا بالضرورة أن المحدث لا بد له من محدث فحينئذ نعرف بالدليل أن هذا العالم له صانع، والعجب أن جماعة اعتمدوا في نفي كثير من الأشياء على أن قالوا لا دليل عليه فوجب نفيه، قالوا وإنما قلنا إنه لا دليل لأنا بحثنا وسبرنا فلم نجد عليه دليلاً، فرجع حاصل كلامهم بعد التحقيق إلى أن كل ما لا يعرف عليه دليل وجب نفيه، وإن فرعون لم يقطع بالنفي بل قال لا دليل عليه فلا أثبته بل أظنه كاذباً في دعواه، ففرعون على نهاية جهله أحسن حالاً من هذا المستدل. أما الثاني وهو إثباته إلهية نفسه، فاعلم أنه ليس المراد منه أنه كان يدعي كونه خالقاً للسموات والأرض والبحار والجبال وخالقاً لذوات الناس وصفاتهم، فإن العلم بامتناع ذلك من أوائل العقول فالشك فيه يقتضي زوال العقل، بل الإله هو المعبود فالرجل كان ينفي الصانع ويقول لا تكليف على الناس إلا أن يطيعوا ملكهم وينقادوا لأمره، فهذا هو المراد من ادعائه الإلهية لا ما ظنه الجمهور من ادعائه كونه خالقاً للسماء والأرض، لا سيما وقد دللنا في سورة طه 49 في تفسير قوله:فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } على أنه كان عارفاً بالله تعالى وأنه كان يقول ذلك ترويجاً على الأغمار من الناس الشبهة الثانية: قوله: { فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحاً لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } وههنا أبحاث: الأول: تعلقت المشبهة بهذه الآية في أن الله تعالى في السماء قالوا لولا أن موسى عليه السلام دعاه إلى ذلك لما قال فرعون هذا القول والجواب: أن موسى عليه السلام دل فرعون بقوله:رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [الشعراء: 24] ولم يقل هو الذي في السماء دون الأرض، فأوهم فرعون أنه يقول إن إلهه في السماء، وذلك أيضاً من خبث فرعون ومكره ودهائه.

السابقالتالي
2 3 4