الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

اعلم أنه تعالى لما قال:فَذَانِكَ بُرْهَانَـٰنِ مِن رَّبّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } [القصص: 32] تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، فعند ذلك طلب من الله تعالى ما يقوي قلبه ويزيل خوفه فقال: { رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِى هَـرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً } لأنه كان في لسانه حبسة، إما في أصل الخلقة، وإما لأجل أنه وضع الجمرة في فيه عندما نتف لحية فرعون. أما قوله: { فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً يُصَدّقُنِي } ففيه أبحاث: البحث الأول: الردء اسم ما يستعان به، فعل بمعنى مفعول به، كما أن الدفء اسم لما يدفأ به، يقال ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشب أو غيره لئلا يسقط. البحث الثاني: قرأ نافع رداً بغير همز والباقون بالهمز، وقرأ عاصم وحمزة يصدقني برفع القاف، ويروى ذلك أيضاً عن أبي عمرو والباقون بجزم القاف وهو المشهور عن أبي عمرو، فمن رفع فالتقدير ردءاً مصدقاً لي، ومن جزم كان على معنى الجزاء، يعني أن أرسلته صدقني ونظيره قوله:فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِى } [مريم: 5، 6] بجزم الثاء من يرثني. وروى السدي عن بعض شيوخه ردءاً كيما يصدقني. البحث الثالث: الجمهور على أن التصديق لهرون، وقال مقاتل: المعنى كي يصدقني فرعون والمعنى أرسل معي أخي حتى يعاضدني على إظهار الحجة والبيان، فعند اجتماع البرهانين ربما حصل المقصود من تصديق فرعون. البحث الرابع: ليس الغرض بتصديق هرون أن يقول له صدقت، أو يقول للناس صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار فهذا هو التصديق المفيد، ألا ترى إلى قوله: { وَأَخِى هَـرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ } وفائدة الفصاحة إنما تظهر فيما ذكرناه لا في مجرد قوله: صدقت. البحث الخامس: قال الجبائي: إنما سأل موسى عليه السلام أن يرسل هرون بأمر الله تعالى وإن كان لا يدري هل يصلح هرون للبعثة أم لا؟ فلم يكن ليسأل مالا يأمن أن يجاب أو لا يكون حكمة، ويحتمل أيضاً أن يقال إنه سأله لا مطلقاً بل مشروطاً على معنى، إن اقتضت الحكمة ذلك كما يقوله الداعي في دعائه. البحث السادس: قال السدي: إن نبيين وآيتين أقوى من نبي بواحد وآية واحدة. قال القاضي والذي قاله من جهة العادة أقوى، فأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين ونبي ونبيين، لأن المبعوث إليه إن نظر في أيهما كان علم، وإن لم ينظر فالحالة واحدة، هذا إذا كانت طريقة الدلالة في المعجزتين واحدة، فإما إذا اختلفت وأمكن في إحداهما إزالة الشبهة ما لا يمكن في الأخرى، فغير ممتنع أن يختلفا ويصلح عند ذلك أن يقال إنهما بمجموعهما أقوى من إحداهما على ما قاله السدي، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهرون عليهما السلام، لأن معجزتهما كانت واحدة لا متغايرة.

السابقالتالي
2 3