الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } * { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن في قوله تعالى: { أَلاَّ يَسْجُدُواْ } قراءات أحدها قراءة من قرأ بالتخفيف ألا للتنبيه ويا حرف النداء ومناداه محذوف، كما حذفه من قال:
ألا يا اسلمى يا دار ميَّ على البلى   ولا زال منهلاً بجرعائك القطر
وثانيها: بالتشديد أراد فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، فحذف الجار مع أن ويجوز أن تكون لا مزيدة، ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلا أن يسجدوا وثالثها: وهي حرف عبدالله وهي قراءة الأعمش هلا بقلب الهمزة هاء، وعن عبدالله هلا تسجدون بمعنى ألا تسجدون على الخطاب ورابعها: قراءة أبي { ألا يَسْجُدُونَ للَّهِ ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْء فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَيَعْلَمَ سِرَّكُمْ وَمَا تُعْلِنُونَ }. المسألة الثانية: قال أهل التحقيق قوله: { أَلاَّ يَسْجُدُواْ } يجب أن يكون بمعنى الأمر لأنه لو كان بمعنى المنع من السجدة لم يكن لوصفه تعالى بما يوجب أن يكون السجود له وهو كونه قادراً على إخراج الخبء عالماً بالأسرار معنى. المسألة الثالثة: الآية دلت على وصف الله تعالى بالقدرة والعلم، أما القدرة فقوله: { يُخْرِجُ ٱلْخَبْء فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وسمي المخبوء بالمصدر، وهو يتناول جميع أنواع الأرزاق والأموال وإخراجه من السماء بالغيث، ومن الأرض بالنبات. وأما العلم فقوله: { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }. واعلم أن المقصود من هذا الكلام الرد على من يعبد الشمس وتحرير الدلالة هكذا: الإله يجب أن يكون قادراً على إخراج الخبء وعالماً بالخفيات، والشمس ليست كذلك فهي لا تكون إلهاً وإذا لم تكن إلهاً لم يجز السجود لها، أما أنه سبحانه وتعالى يجب أن يكون قادراً عالماً على الوجه المذكور، فلما أنه واجب لذاته فلا تختص قادريته وعالميته ببعض المقدورات والمعلومات دون البعض، وأما أن الشمس ليست كذلك فلأنها جسم متناه، وكل ما كان متناهياً في الذات كان متناهياً في الصفات، وإذا كان كذلك فحينئذ لا يعلم كونها قادرة على إخراج الخبء عالمة بالخفيات، فإذا لم يعلم من حالها ذلك لم يعلم من حالها كونها قادرة على جلب المنافع ودفع المضار، فرجع حاصل الدلالة إلى ما ذكره إبراهيم عليه السلام في قوله:لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } [مريم: 42] وفي قوله: { للَّهِ ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْء فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وجه آخر وهو أن هذا إشارة إلى ما استدل به إبراهيم عليه السلام في قوله:رَبّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ } [البقرة: 258] وفي قوله:إِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ } [البقرة: 258] وذلك لأنه سبحانه وتعالى هو الذي يخرج الشمس من المشرق بعد أفولها في المغرب فهذا هو إخراج الخبء في السموات وهو المراد من قول إبراهيم عليه السلام:

السابقالتالي
2