الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }

قرىء { أَسَرَّ } بقطع الهمزة ووصلها وسر. لما ظهر أمر موسى عليه السلام بما شاهدوه من الآية، أمره الله تعالى بأن يخرج ببني إسرائيل لما كان في المعلوم من تدبير الله تعالى في موسى وتخليصه من القوم وتمليكه بلادهم وأموالهم، ولم يأمن وقد جرت تلك الغلبة الظاهرة أن يقع من فرعون ببني إسرائيل ما يؤدي إلى الاستئصال، فلذلك أمره الله تعالى أن يسري ببني إسرائيل، وهم الذين آمنوا وكانوا من قوم موسى، ولا شبهة أن في الكلام حذفاً وهو أنه أسرى بهم كما أمره الله تعالى، ثم إن قوم موسى عليه السلام قالوا لقوم فرعون إن لنا في هذه الليلة عيداً، ثم استعاروا منهم حليهم وحللهم بهذا السبب، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جانب البحر، فلما سمع ذلك فرعون أرسل في المدائن حاشرين، ثم إنه قوى نفسه ونفس أصحابه بأن وصف قوم موسى بوصفين من أوصاف الذم، ووصف قوم نفسه بصفة المدح أما وصف قوم موسى عليه السلام بالذم. فالصفة الأولى: قوله: { إِنَّ هَـؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } والشرذمة الطائفة القليلة، ومنه قولهم ثوب شراذم للذي بلي، وتقطع قطعاً ذكرهم بالاسم الدال على القلة، ثم جعلهم قليلاً بالوصف، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلاً واختار جمع السلامة الذي هو للقلة وقد يجمع القليل على أقلة وقلل، ويجوز أن يريد بالقلة الذلة والقماءة لا قلة العدد، والمعنى أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم، ثم اختلف المفسرون في عدد تلك الشرذمة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا ستمائة ألف مقاتل لا شاب فيهم دون عشرين سنة، ولا شيخ يوفي على الستين سوى الحشم، وفرعون يقللهم لكثرة من معه، وهذا الوصف قد يستعمل في الكثير عند الإضافة إلى ما هو أكثر منه، فروي أن فرعون خرج على فرس أدهم حصان وفي عسكره على لون فرسه ثلثمائة ألف. الصفة الثانية: قوله: { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } يعني يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا، واختلفوا في تلك الأفعال على وجوه: أحدها: ما تقدم من أمر الحلي وغيره وثانيها: خروج بني إسرائيل عن عبودية فرعون واستقلالهم بأنفسهم وثالثها: مخالفتهم لهم في الدين وخروجهم عليهم ورابعها: ليس إلا أنهم لم يتخذوا فرعون إلهاً. أما الذي وصف فرعون به قومه فهو قوله: { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ } وفيه ثلاث قراءات حذرون وحاذرون وحادرون بالدال غير المعجمة. واعلم أن الصفة إذا كانت جارية على الفعل وهي اسم الفاعل واسم المفعول كالضارب والمضروب أفادت الحدوث، وإذا لم تكن كذلك وهي الشبهة أفادت الثبوت، فمن قرأ { حَـٰذِرُونَ } ذهب إلى إنا قوم من عادتنا الحذر واستعمال الحزم، ومن قرأ { حَـٰذِرُونَ } فكأنه ذهب إلى معنى إنا قوم ما عهدنا أن نحذر إلا عصرنا هذا.

السابقالتالي
2