الصفة السادسة اعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر أن من صفة عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا، ثم ذكر بعد ذلك حكم من يفعل هذه الأشياء من العقاب، ثم استثنى من جملتهم التائب، وههنا سؤالات: السؤال الأول: أنه تعالى قبل ذكر هذه الصفة نزه عباد الرحمن عن الأمور الخفيفة، فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل والزنا، أليس أنه لو كان الترتيب بالعكس منه كان أولى؟ الجواب: أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون متمسكاً بالشرك تديناً ومقدماً على قتل الموءودة تديناً وعلى الزنا تديناً، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن، حتى يضاف إلى ذلك كونه مجانباً لهذه الكبائر، وأجاب الحسن رحمه الله من وجه آخر فقال: المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار، كأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر وأنت تدعون { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } وأنتم تقتلون الموءودة، { وَلاَ يَزْنُونَ } وأنتم تزنون. السؤال الثاني: ما معنى قوله: { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } ومعلوم أنه من يحل قتله لا يدخل في النفس المحرمة فكيف يصح هذا الاستثناء؟ الجواب: المقتضى لحرمة القتل قائم أبداً، وجواز القتل إنما ثبت بالمعارض فقوله: { حَرَّمَ ٱللَّهُ } إشارة إلى المقتضى وقوله { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } إشارة إلى المعارض. السؤال الثالث: بأي سبب يحل القتل؟ الجواب: بالردة وبالزنا بعد الإحصان، وبالقتل قوداً على ما في الحديث، وقيل وبالمحاربة وبالبينة، وإن لم يكن لما شهدت به حقيقة. السؤال الرابع: منهم من فسر قوله: { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } بالردة فهل يصح ذلك؟ الجواب: لفظ القتل عام فيتناول الكل. وعن ابن مسعود " قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت ثم أي؟ قال أن تزني بحليلة جارك " فأنزل الله تصديقه. السؤال الخامس: ما الأثام؟ الجواب: فيه وجوه: أحدها: أن الأثام جزاء الإثم، بوزن الوبال والنكال وثانيها: وهو قول أبي مسلم: أن الأثام والإثم واحد، والمراد ههنا جزاء الأثام فأطلق اسم الشيء على جزائه وثالثها: قال الحسن: الأثام اسم من أسماء جهنم وقال مجاهد: { أَثَاماً } واد في جهنم، وقرأ ابن مسعود { أَثَاماً } أي شديداً، يقال يوم ذو أثام لليوم العصيب. أما قوله: { يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } ففيه مسائل: المسألة الأولى: { يُضَـٰعِفُ } بدل من { يَلْقَ } لأنهما في معنى واحد، وقرىء يضعف و نضعف له العذاب بالنون ونصب العذاب، وقرىء بالرفع على الاستئناف أو على الحال، وكذلك يخلد وقرىء ويخلد على البناء للمفعول مخففاً ومثقلاً من الإخلاد والتخليد، وقرىء وتخلد بالتاء على الالتفات.