الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } * { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } * { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً }

اعلم أنه سبحانه تكلم أولاً في التوحيد، وثانياً في الرد على عبدة الأوثان، وثالثاً في هذه الآية تكلم في مسألة النبوة، وحكى سبحانه شبههم في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الشبهة الأولى: قولهم: { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ } وأعانه عليه قوم آخرون، ونظيره قوله تعالى:إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } [النحل: 103] واعلم أنه يحتمل أن يريدوا به أنه كذب في نفسه، ويحتمل أن يريدوا به أنه كذب في إضافته إلى الله تعالى، ثم ههنا بحثان: الأول: قال أبو مسلم: الافتراء افتعال من فريت، وقد يقال في تقدير الأديم فريت الأديم، فإذا أريد قطع الإفساد قيل أفريت وافتريت وخلقت واختلقت، ويقال فيمن شتم امرءاً بما ليس فيه افترى عليه. البحث الثاني: قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث فهو الذي قال هذا القول { وأعانه عليه قوم آخرون } يعني عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار غلام عامر بن الحضرمي، وجبر مولى عامر، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرأون التوراة ويحدثون أحاديث منها فلما أسلموا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال. واعلم أن الله تعالى أجاب عن هذه الشبهة بقوله: { فَقَدْ جَاءوا ظُلْماً وَزُوراً } وفيه أبحاث: الأول: أن هذا القدر إنما يكفي جواباً عن الشبهة المذكورة، لأنه قد علم كل عاقل أنه عليه السلام تحداهم بالقرآن وهم النهاية في الفصاحة، وقد بلغوا في الحرص على إبطال أمره كل غاية، حتى أخرجهم ذلك إلى ما وصفوه به في هذه الآيات، فلو أمكنهم أن يعارضوه لفعلوا، ولكان ذلك أقرب إلى أن يبلغوا مرادهم فيه مما أوردوه في هذه الآية وغيرها، ولو استعان محمد عليه السلام في ذلك بغيره لأمكنهم أيضاً أن يستعينوا بغيرهم، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم كأولئك المنكرين في معرفة اللغة وفي المكنة من الاستعانة، فلما لم يفعلوا ذلك والحالة هذه علم أن القرآن قد بلغ النهاية في الفصاحة وانتهى إلى حد الإعجاز، ولما تقدمت هذه الدلالة مرات وكرات في القرآن وظهر بسببها سقوط هذا السؤال، ظهر أن إعادة هذا السؤال بعد تقدم هذه الأدلة الواضحة لا يكون إلا للتمادي في الجهل والعناد، فلذلك اكتفى الله في الجواب بقوله: { فَقَدْ جَاءوا ظُلْماً وَزُوراً }. البحث الثاني: قال الكسائي: قوله تعالى: { فَقَدْ جَاءوا ظُلْماً وَزُوراً } أي أتوا ظلماً وكذباً وهو كقوله:لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [مريم:89] فانتصب بوقوع المجيء عليه، وقال الزجاج: انتصب بنزع الخافض، أي جاءوا بالظلم والزور. البحث الثالث: أن الله تعالى وصف كلامهم بأنه ظلم وبأنه زور، أما أنه ظلم فلأنهم نسبوا هذا الفعل القبيح إلى من كان مبرأ عنه، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه وذلك هو الظلم، وأما الزور فلأنهم كذبوا فيه، وقال أبو مسلم: الظلم تكذيبهم الرسول والرد عليه، والزور كذبهم عليهم.

السابقالتالي
2 3