الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }

اعلم أن في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال القاضي: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } وإن كان ظاهره الرجال فالمراد به الرجال والنساء لأن التذكير يغلب على التأنيث فإذا لم يميز فيدخل تحت قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ } الكل ويبين ذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } لأن ذلك يقال في الرجال والنساء والأولى عندي أن الحكم ثابت في النساء بقياس جلي، وذلك لأن النساء في باب حفظ العورة أشد حالاً من الرجال، فهذا الحكم لما ثبت في الرجال فثبوته في النساء بطريق الأولى، كما أنا نثبت حرمة الضرب بالقياس الجلي على حرمة التأفيف. المسألة الثانية: ظاهر قوله: { ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } يدخل فيه البالغون والصغار، وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد الصغار، واحتجوا بأن الكبير من المماليك ليس له أن ينظر من المالك إلا إلى ما يجوز للحر أن ينظر إليه، قال ابن المسيب: لا يغرنكم قوله: { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } لا ينبغي للمرأة أن ينظر عبدها إلى قرطها وشعرها وشيء من محاسنها، وقال الآخرون: بل البالغ من المماليك له أن ينظر إلى شعر مالكته وما شاكله، وظاهر الآية يدل على اختصاص عبيد المؤمنين والأطفال من الأحرار بإباحة ما حظره الله تعالى من قبل على جماعة المؤمنين بقوله:لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } [النور: 27] فإنه أباح لهم إلا في الأوقات الثلاثة وجوز دخولهم مع من لم يبلغ بغير إذن ودخول الموالي عليهم بقوله تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوافُونَ عَلَيْكُمْ } أي يطوف بعضكم على بعض فيما عدا الأوقات الثلاثة، وأكد ذلك بأن أوجب على من بلغ الحلم الجري على سنة من قبلهم من البالغين في الاستئذان في سائر الأوقات وألحقهم بمن دخل تحت قوله: { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا }. المسألة الثالثة: قوله: { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } إن أريد به العبيد والإماء إذا كانوا بالغين فغير ممتنع أن يكون أمراً لهم في الحقيقة، وإن أريد { ٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ } لم يجز أن يكون أمراً لهم، ويجب أن يكون أمراً لنا بأن نأمرهم بذلك ونبعثهم عليه كما أمرنا بأمر الصبي، وقد عقل الصلاة أن يفعلها لا على وجه التكليف لهم، لكنه تكليف لنا لما فيه من المصلحة لنا ولهم بعد البلوغ، ولا يبعد أن يكون لفظ الأمر وإن كان في الظاهر متوجهاً عليهم إلا أنه يكون في الحقيقة متوجهاً على المولى كقولك للرجل: ليخفك أهلك وولدك، فظاهر الأمر لهم وحقيقة الأمر له بفعل ما يخافون عنده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7