الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

اعلم أن الكلام في هذه الآية مرتب على فصول:الفصل الأول في إطلاق اسم النور على الله تعالى اعلم أن لفظ النور موضوع في اللغة لهذه الكيفية الفائضة من الشمس والقمر والنار على الأرض والجدران وغيرهما، وهذه الكيفية يستحيل أن تكون إلهاً لوجوه: أحدها: أن هذه الكيفية إن كانت عبارة عن الجسم كان الدليل الدال على حدوث الجسم دالاً على حدوثها، وإن كانت عرضاً فمتى ثبت حدوث جميع الأعراض القائمة به ولكن هذه المقدمة إنما تثبت بعد إقامة الدلالة على أن الحلول على الله تعالى محال وثانيها: أنا سواء قلنا النور جسم أو أمر حال في الجسم فهو منقسم، لأنه إن كان جسماً فلا شك في أنه منقسم، وإن كان حالاً فيه، فالحال في المنقسم منقسم، وعلى التقديرين فالنور منقسم وكل منقسم فإنه يفتقر في تحققه إلى تحقق أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره، وكل مفتقر فهو في تحققه مفتقر إلى غيره، والمفتقر إلى الغير ممكن لذاته محدث بغيره، فالنور محدث فلا يكون إلهاً وثالثها: أن هذا النور المحسوس لو كان هو الله لوجب أن لا يزول هذا النور لامتناع الزوال على الله تعالى ورابعها: أن هذا النور المحسوس يقع بطلوع الشمس والكواكب. وذلك على الله محال وخامسها: أن هذه الأنوار لو كانت أزلية لكانت إما أن تكون متحركة أو ساكنة، لا جائز أن تكون متحركة لأن الحركة معناها الانتقال من مكان إلى مكان فالحركة مسبوقة بالحصول في المكان الأول. والأزلى يمتنع أن يكون مسبوقاً بالغير فالحركة الأزلية محال. ولا جائز أن تكون ساكنة لأن السكون لو كان أزلياً لكان ممتنع الزوال لكن السكون جائز الزوال، لأنا نرى الأنوار تنتقل من مكان إلى مكان فدل ذلك على حدوث الأنوار وسادسها: أن النور إما أن يكون جسماً أو كيفية قائمة بالجسم، والأول محال لأنا قد نعقل الجسم جسماً مع الذهول عن كونه نيراً ولأن الجسم قد يستنير بعد أن كان مظلماً فثبت الثاني لكن الكيفية القائمة بالجسم محتاجة إلى الجسم، والمحتاج إلى الغير لا يكون إلهاً، وبمجموع هذه الدلائل يبطل قول المانوية الذين يعتقدون أن الإله سبحانه هو النور الأعظم. وأما المجسمة المعترفون بصحة القرآن فيحتج على فساد قولهم بوجهين: الأول: قوله:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } [الشورى: 11] ولو كان نوراً لبطل ذلك لأن الأنوار كلها متماثلة الثاني: أن قوله تعالى: { مَثَلُ نُورِهِ } صريح في أنه ليس ذاته نفس النور بل النور مضاف إليه. وكذا قوله: { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ } فإن قيل قوله: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } يقتضي ظاهره أنه في ذاته نور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد